facebook-domain-verification=oo7zrnnwacae867vgxig9hydbmmaaj

تحقيق خاص: بلاد الإغريق لم تعد كسابق عهدها

رصد ومتابعة- خاص شبكة تحقيقات الإعلامية

سارة الشامي

منذ قرون خلت واليونان كانت مرجعاً أساسيا لما حققته من إنجازات علمية وفلسفية تجسدت من خلال العلوم التي طورتها بعد أن نقلتها من الخرافة الى الحقيقة، فخلدت بدورها مفكرين وفلاسفة عظماء كحال أفلاطون وأرسطو.

أما من حكمها فلا يقلُ شأناً عنهم مع ما قدمه الإسكندر المقدوني من إنتصارات جعلت من اليونان إمبراطورية عظمى بفضل قوة جيشه وطموحه الجامح، حيث إستطاع خلال ثماني سنوات من احتلال كل من بلاد فارس ومناطق الشرق الأوسط ومصر وصولاً الى الهند، متخذاً من “آخيل” بطل طروادة قدوة له في التضحية بحياة طويلة وعادية مقابل حياة قصيرة وإنما مليئة بمجد سيخلدهم للأبد.

في الوقت الراهن لم تعد اليونان كما عهدناها وهو حال معظم الدول التي كانت في الماضي إمبراطوريات فيها من العلماء والفلاسفة التي ما زالت تعاليمهم كحجر أساس لبناء أي معرفة.

في السنوات الأخيرة طرح إحتمال خروج اليونان من الإتحاد الأوروبي بعد إنضمامها له عام 2001، بسبب ديونها المتراكمة وضعف أدائها الإقتصادي، هذا الوضع ليس بالمستجد فهي كانت تعاني من مديونية مرتفعة لكن تلاعبها بالحسابات مكنها من التحايل والإنضمام الى منطقة اليورو، الأمر الذي سهل عليها من إمكانية الإستدانة من البنوك الأوروبية.

إن الإرتفاع الغير منطقي بحجم ديونها كان نتيجة نفقات الدولة التي زادت عن حجم إيراداتها المالية، فتلك النفقات ذهبت على شكل تهرب ضريبي ومحسوبية سياسية وفساد إداري، لكن تلك الديون عادت وتعاظمت مع فترة الإنتعاش الإقتصادي التي شهدتها البلاد بين العام 2001 و2007 حيث وصل النمو الى 4% ومعه إزدادت ثقة البنوك الأوروبية بالإقتصاد اليوناني مما ساعدها على الإستدنة مجدداً.

الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت تكاليفها باهظة على الإقتصاد اليوناني، بعد التراجع الذي لحق بقطاع السياحة المتمثل ب 75% من حجم الإقتصاد أي أنه المورد المالي الأساسي والرئيسي للبلاد.

أما من ناحية ثانية فقد أزاحت الستار عن ديون وصلت الى 115% من الناتج المحلي عام 2010 اي 313 مليار يورو الامر الذي دفع بالحكومة الى الإستقالة نتيجة الضغوطات وتدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للبلاد.

مع رئيس الحكومة الجديد آنذاك جورج باباندريو الذي كشف أن حجم الدين أكبر بكثير عما هو مصرح عليه، بسبب التلاعبات الحسابية التي قامت بها الحكومة السابقة، مما دفعه للإتفاق مع الإتحاد الأوروبي على سلسلة من الإجراءات التي إعتبرت حينها سياسات تمنع من إستمرار حالة الإنكماش التي تعاني منها البلاد, عبر حصول اليونان على مساعدات مالية لثلاث سنوات بفائدة قدرت 4.2% وفترة سداد على 7 سنوات أول تلك المساعدات كانت عام 2010 والتي وصلت الى 110 مليار يورو وثانيها كانت عام 2012 بمبلغ 130 مليار يورو، لكن برنامج الإنقاذ الأوروبي كان مشروط بسياسات تقشفية ظهرت من خلال تخفيض الراتب التقاعدي مع رفع سن التقاعد الى 67 وتسريح حوالي 150 الف موظف حكومي بالإضافة الى التشدد في جمع وجباية الضرائب.

هذه السياسات كانت عبارة عن عقاب أكثر من كونها فرصة للنجاة، فزادت المديونية من 107% عام 2007 الى 177% عام 2014 وأصبح النمو سالب بالأعوام التي تلت ذلك، مما ساهم برفع معدلات البطالة التي تخطت المليون، ومعه هربت الرساميل الأجنبية والاوروبية التي لم تعد تثق أن اليونان هو البلد الأمثل استثماراتها، خاصةً مع غياب للإستقرار الأمني بعد التظاهرات التي عمت البلاد والمطالبات التي ناشدت بإلغاء السياسات التقشفية المجحفة بحق اليونانيين.

تلك الأوضاع السيئة دفعت بالعديد من محطات التلفزة إلى نقل معاناة المواطن اليوناني صاحب الدخل المتدني الذي كان له الحصة الأكبر من إنعكاسات أزمة الديون التي عصفت بالبلاد، حيث شاهدنا العديد منهم يجمعون فضلات الخضار المرمية بعد إنتهاء السوق من بيع منتجاته.

إن هذه الظروف الصعبة أجبرت ايضاً العديد من مراكز إيواء الأيتام الى الإقفال بعد تخلف الدولة عن تقديم المساعدات المالية المطلوبة لهم في ظل غياب للتبرعات المقدمة من متوسطي الحال والأثرياء، ومعه زادت طوابير المشردين في المساء للحصول على وجبة الطعام الوحيدة المقدمة لهم من بعض الخيم المزروعة على جوانب الأزقة الفقيرة.

إن الإنتخابات التي حصلت عام 2015 وجاء بموجبها اليكس تسيبراس كرئيس للحكومة بعد تصويت الشعب له بأغلبية ساحقة، كان نتيجة معارضته الدائمة لسياسة التقشف التي حاك بها تطلعات الفئات المهمشة، فسعى لدى وصوله للحكم على إقتراح سياسة وقف الإيفاء بالديون لفترة معينة، مقابل توظيفها لخدمة الإقتصاد الذي من المتوقع أن يحقق نمو 1.5% عام 2016 لكن الإتحاد الأوروبي رفض ذلك وأبقى على سياسة التقشف المعتمدة مع رفع لمعدلات الفائدة على القروض المعطاة مما سيزيد من إفقار اليونان بلداً وشعباً .

اليونان لم تعد رمزاً للحياة الرغيدة فهي أضحت مدمنة ديون، فإمكانية خروجها من الإتحاد الاوروبي لا تزال قيد الطرح، بسبب تخوفهم من أن تصبح عدوى تصيب باقي الدول في الإتحاد، مما سيسلط الضوء على إشكالية فشل التجربة الأوروبية ككيان تعاوني إقتصادي.

أما إنعكسات خروجها من منطقة اليورو فلن يعود بالضرر الكبير كون إقتصادها لا يشكل سوى 2% من مساهمتها في الإقتصاد الأوروبي، بفعل ضعف قطاعاتها الإنتاجية في ظل وجود قاعدة صناعية هشة تغيب عنها أية تنمية حقيقية، مما يعني أنها لم تستغل الإمتيازات التي كان من المقدر أن تحصل عليها لدى دخولها الى الإتحاد الأووروبي، سوى أنها أغرقت نفسها بالديون التي ستتوارثها من جيلّ الى جيل.

عن investigation

شبكة مختصة بالرصد الإعلامي من لبنان إلى العالم. نعتمد أسلوب التقصِّي في نقل الأخبار ونشرها. شعارنا الثابت : "نحو إعلامٍ نظيف"

شاهد أيضاً

15 مليون يورو مساعدة من الإتحاد الأوروبي للبنان .. لدعم الأشخاص الأكثر حاجة

تبلّغت وزارة الخارجية والمغتربين، بـ”إرتياح وسرور قرار الاتحاد الاوروبي ممثلا بمفوض ادارة الازمات يانيس لينرتشيتش …

error: Content is protected !!