خاص تحقيقات – سارة الشامي
إعتقد الإقتصاديين أن النظام الرأسمالي هو النظام الأمثل ليتم تطبيقه في كل دولة مع ما يتيحه من إنفتاح على العالم الخارجي، في ظل عولمة تعزز مبدأ الإنخراط وتعاون الدول فيما بينها خاصةً على الصعيد الإقتصادي، لما توفره من فرص إستثمارية وإستفادة تكنولوجية وتصريف إنتاجي في السوق العالمية.
النظام تعود بذور نشأته للنظرية الكلاسيكية التي وضعها آدم سميث معتبراً فيها أن الملكية الخاصة والمصلحة الشخصية هي المحرك والدافع الوحيد أمام الأفراد للإنخراط في العملية الإنتاجية مع غياب تام للدولة التي أخذت من الحيادية دوراً لها في النىشاط الإقتصادي.
هذه السياسة إعتمدت في بداية القرن العشرين بإعتبارها الأكثر كفاءة في إدارة البلاد، لكن الواقع أثبت عكس ذلك مع ما شهدناه في الولايات المتحدة من زيادة في حجم الإقتصاد المالي المتمثل بالأسهم والسندات، وما نتج على إثرها من زيادة في حجم المضاربات العشوائية مما ساهم بظهور أزمة 1929 التي وصفت بالكساد الكبير حيث طرح في نفس الوقت 19 مليون سهم للبيع تخوفاً من الخسارة مما أدى الى إنهيار قيمة الأسهم فخسر المستثمرين وأصحاب روؤس الأموال ثلث ثروتهم في غضون ثلاثة أيام، فتداعت على إثره مؤسسات مالية وتراجعت القوى الشرائية بالرغم من الإنخفاض الحاصل للأسعار مما أدى الى ركود إقتصادي في الولايات المتحدة إنعكست على باقي الدول تشاؤماً حول صوابية الرأسمالية.
عمدت على إثرها دول عديدة وعلى رأسها الدول الأورربية الى تبني النظرية الكينزية التي ظهرت آنذاك حيث شددت على أهمية تدخل الدولة في النشاط الإقتصادي لتعيد التوازن على الساحة الإقتصادية، مع ضرورة الحد من تنامي الإقتصاد الريعي القائم على الإستثمار في الأوراق المالية لما يوفره من ربحية أسرع وأكبر من الإستثمار في المؤسسات الصناعية والإنتاجية، فالدول التي تبنت هذه النظرية إستطاعت تحقيق إستقرار ونمو إقتصادي لمدة ثلاثين عاماً (1945-1975).
لكن الأمان الإقتصادي لم يدم طويلاً مع إنتشار لفكرة النيوليبرالية التي مهدت لقيام نظام إقتصادي جديد يقوم على تحرير التجارة وإعطاء الرساميل الحرية في التنقل مع خصخصة المرافق العامة فأصبحت الدولة كشرطي يوفر الإستقرار ويحقق الأمان فقط.
أخذت العولمة المالية في بداية التسعينات تسيطر على الإقتصاد العالمي فلم يعد لأي دولة القدرة على إتباع سياسة مستقلة عن غيرها من الدول لا بل أصبحت السياسات الدولية تكاملية تابعة فيها لعراب الرأسمالية المتمثل بالولايات المتحدة، وعلى بالرغم من زيادة نسبة النمو في الإقتصاد العالمي النيوليبرالي إلا أننا شهدنا تعاظم لحجم الإقتصاد المالي الذي زاد بمئة ضعف عن نظيره اي الإقتصاد العيني- والذي يمثل عملية إنتاج السلع والخدمات لإشباع الحاجات الإستهلاكية للأفراد- بعد أن كان تابع ومساهم في تسهيل العملية الإنتاجية .
إن الخلل الحاصل في البنية الإقتصادية، أسفر عن زيادة أزمة الغذاء العالمي بفعل قلة الإستثمارات الإنتاجية التي تتجه للأسواق المالية، مما جعلها أكثر عرضة للتقلبات والأزمات كما حصل عام 2008 من أزمة مالية عالمية لم تطرق باب الولايات المتحدة فقط المتحدة المسبب الرئيسي لتلك الأزمة وإنما إنعكست سلباً على باقي دول العالم.
هذه الأزمة تعود أسبابها للزيادة الحاصلة في الطلب على القروض العقارية المعطاة من دون ضمانات لآجال طويلة من قبل المؤسسات المصرفية الأميركية مما أسفر عن عدم تمكن تلك العائلات من السداد فما كان على المصارف الا وضع اليد على تلك المنازل التي وصلت نسبتها ل92% وطرحها للبيع مما أدى إلى فقدان مليونان مواطن أميركي منازلهم فهبطت أسعار تلك البيوت وإنهارت معها سندات الرهن العقاري التي بيعت للمستثمرين حول العالم والتي تمثل القروض العقارية التي حُولت لمشتقات مالية بيعت في الأسواق المالية الأميركية من قبل المصارف.
الإضعاف للإقتصاد العيني كانت نتيجته نشوء طبقة طفيلية من المضاربين فأصبح الإقتصاد هو عبارة عن جشع مادي تحكمه الأنانية لا العدالة الإنسانية، أثبت هشاشة النظام الرأسمالي وفقدت معه الولايات المتحدة مكانتها كقوى إقتصادية عالمية.
أما الأزمات المالية فلن تتوقف في حال لم تعطى الدولة الحق بالتدخل العقلاني لمنع قيام أية تفلت على صعيد المضاربات أو الإحتكارات وغيرها من الأمور التي من شأنها الإضرار بالمصالح الإقتصادية للبلاد، وهذا ما عملت عليه الدول المتطورة في الآونة الاخيرة كوسيلة للنجاة. ففي يومنا الحالي هنالك حاجة ملحة لخلق نظام إقتصادي تجتمع فيه إيجابيات كل من الرأسملية التي تركز على مبدأ الملكية الخاصة والمنافسة الهادفة للتطور وإيجابيات الإشتراكية التي تؤسس لعدالة إجتماعية بعيدة عن المادية والأنانية.