تحت عنوان “مروان صبّاغ… “بطل” تُروى قصّته في الإستقلال” كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية
في عيد الاستقلال، تصدح موسيقى الاحتفالات عالياً، عالياً جداً، كاتمةً أنينَ أبطالٍ يَرقدون في المستشفيات متألّمين، هم من غنّت لهم يوماً الشحرورة صباح “تِسلم يا عسكر لبنان يا حامي استقلالنا”، وكأنّها أرادت تسجيلَ موقفٍ للتاريخ تُذكّر فيه أنّ خلف هذا الاستقلال الذي نحتفي به، جنوداً مجهولين، يضَعون حياتهم على أكفِّهم. الملازم أوّل مروان صباغ (28 عاماً) هو أحد هؤلاء الجنود، يَرقد منذ نحو 10 أيام في المستشفى حارماً عائلتَه مِن صوته، مِن حنانه وضحكته التي شوَّهها مجرِمو المخدّرات في حورتعلا، بعدما أطلقوا رصاصاتٍ متفجّرة استقرّت إحداها في فمِ البطل. “حبيبي إذا صاير معَك شِي خبِّرني”، عبارةٌ أخيرة أرسلتها لميس لمروان متمنّيةً أن يأتيَها ردُّ زوجِها بسرعة ليُبدّد مخاوفَها التي كانت تكبُر مع مرور كلّ ثانية، “فمروان ولا مرّة ما بِردّ، حتى وهو بالمهمّة بِرِدّ عليّي وبقِلّي بِحكيكي بعد 5 دقائق حبيبتي…”، تدمع عينا لميس اللتان لم تَجفّا أصلاً، وتُكمِل: “ما هي إلّا دقائق حتى أتاني الجواب من أحد زملائه: «مروان مصاب… ولكنّه حيّ”، في تلك اللحظة، لم أكن أحتاج لسماعِ أكثر من ذلك، أن أعرفَ أنّه حيّ وبَس”
تفاصيل العملية
إنّها الساعة السادسة من صباح يوم السبت 11 تشرين الثاني، صَدرت أوامر قيادة الجيش: عملية التطهير من تجّار المخدّرات بدأت. إتّجهَت دورية من اللواء السادس لمؤازرة مجموعة المغاوير حوالي الساعة الثامنة والنصف، لتقعَ في كمينٍ عند مفرق تل أبيض – بوداي – إتّحاد بلديات بعلبك، حيث تعرّضَت الآلية العسكرية من نوع “لاندروفر- ديفندر” التي تقلّ صباغ وعدداً من العسكريين لإطلاق نارٍ مِن مسلحين يستقلّون جيب رباعيَّ الدفع من نوع “غراند شيروكي” أسود اللون، والذين استهدَفوا الآليّة من واجهتها الأمامية بنحو 26 رصاصة متفجّرة اخترقت زجاجَها الأمامي ومحرّكَها، ما أدّى إلى إصابة صباغ بجروحٍ بليغة في يديه وأخرى في فمه، وكذلك مرافقاه، فنُقِل إلى مستشفى دار الأمل حيث قُدِّمت له الإسعافات الأوّلية قبل أن يُنقَل مع العسكريين الجرحى بواسطة الطوّافات إلى بيروت. وكان عناصرُ من الجيش قد ردّوا على إطلاق النار بالمِثل، ما أدّى إلى مقتل ثلاثةٍ مِن المهاجمين ومصادرةِ السيارة التي استُخدِمت في العملية
“رجَعلي يا بطلي”
في أحد أروقةِ مستشفى مار جاورجيوس تجلس لميس التي زارَتها “الجمهورية”، إلى جانب أهلِ زوجها “البطل” كما يسمّونه، بين جدرانٍ شهدت على دموعهم تارةً وصلواتهم طوراً، فأكثرُ من 10 أيام مرّت عليهم كالعمر كلّه، تسترجع لميس صباح ذلك اليوم وتقول: “كنتُ أشاهد شريط عرسنا، لا أعرف لماذا قرّرتُ مشاهدته لكنْ هذا ما حصل، سنة و3 أشهر من الزواج، وقبلها 5 سنوات من التعارف كانت مثلَ الحلم، فمروان لم يكن يَجرحني بكلمة، بل كان بَطلي وأملي في الحياة، وجهُه الضحوك حتى في المصاعب شكّلَ حافزاً لي في كلّ مراحل السنوات”
“هو زوجي وأبي وأخي وعمري كلّه، وحياتي من دونه لا تستمر”، تقولها لميس بانفعال، وتضيف: “تعرّفنا على بعض في الكنيسة، وقبل المداهمات بيوم كان مروان في سيدة بشوات التي حمته خلال العملية، فزميله الذي كان يقود الآليّة أصيبَ وقفَزَ منها فـ”كَرَّت” واستقرّت على أحد الأعمدة القائمةِ على مهوارٍ شاهق، أي أنه نجا من الوقوع في هذا المهوار أيضاً”
“قلبو كان حاسِس”
مَن ينظر إلى صوَر مروان يرى ملامحَ “بطل يحب الحياة”، تكاد لا تمرّ صورة إلّا ووجهُه ضاحك فيها مع عينين تلمعان فرحاً، لتقعَ كالصاعقة صدمةُ إصابته في فمِه برصاص متفجّر، فضلاً عن يديه، لكن قد يكون حبُّه للحياة وتمسّكُه فيها، فضلاً عن صلوات الجميع للبطل، أحدَ أسباب سرعةِ تجاوبِ جسدِه مع العلاج، وهو الأمر الذي يفاجئ الأطبّاء كلَّ يوم
وتكشفُ لميس خلال حديثها أنّ “مروان في الفترة الأخيرة، أي الفترة التي شُكِّل فيها إلى البقاع، لم يكن مرتاحاً، فكان يقول لي مراراً إنّ الأجواء غريبة عنه، فهناك مخدّراتٌ وسلاح وعصابات، وتلك الأمور بعيدة عن تربيته وبيئته”، مضيفةً: “يوم المداهمات لم أكن أعلم أنّ مروان هناك، بل كلّ ما كنتُ أعرفه أنّه في مهمّة، من دون أن أعرف طبيعتَها”
قد تكون إحدى إبرزِ صفات الملازم أوّل شجاعته وعشقه للبزّةِ العسكرية، فما كان يتردّد عن تنفيذ الأوامر مهما استشعَر بخطرها، وكان الاشتباك الأخير دليلاً على ذلك لأنه كان يَعلم أنه سيواجه عصابةً متمرّسة، مؤلّفة من عدد من “الطفّار”
و”الطفّار” هو لقبٌ للمطلوبين بجرائم قتلٍ وسرقة وخطفٍ وتجارة مخدّرات، وفي حقّهم مذكراتُ توقيف وبلاغات بحثٍ وتحرٍّ واستنابات قضائية ووثائق أمنية، يَبلغ عددهم نحو 30 ألفاً، بينهم حوالي نحو 100 من أخطر المطلوبين الذين فرّوا بغالبيتهم إلى المناطق الجردية الواقعة على الحدود مع سوريا وبعضُهم إلى داخل الأراضي السورية، لينزلوا إلى قراهم ومنازلِهم بين الحين والآخر، وقد بات هؤلاء منظّمين وقادرين على إتقانِ لعبةِ “القط والفأر” مع الأجهزة الأمنية إلى درجة أنّ “كبارهم” صاروا يملكون شبكاتٍ منظّمة ومخبرين مزروعين في القرى وعلى الطرقات يزوّدونهم بمعلومات عن تحرّكِ المجموعات الأمنية، من دون إسقاطِ الاتّهامات الموجّهة لبعض العناصر الأمنية المرتشية التي تساعدهم. كما أنّهم يستفيدون من عامل وعورةِ الأرض وانبساطها كونها مكشوفةً لجهة السهل، ما يُسَهّلُ عليهم رصد أيّ تحرّكات
(ربى منذر – الجمهور)