“ليبانون ديبايت” – ملاك عقيل
بالتأكيد، لا أحد من رؤساء الحكومات السابقين أو الطامحين يَحسد حسان دياب على “الورطةِ” الحكوميّة المُتَمَثِّلة بتلقّفِ تسونامي “الانهيار” وأوّلهم سعد رفيق الحريري.
الاخير، حَسَمها باكرًا جدًا رغم جميع السيناريوهات التي رافقت التفتيش عن رئيسِ حكومةِ ما بعد “الشيخ سعد”: “لن أضع حكومتي في بوز مدفع المواجهة لأدفع الثمن وحدي، والاهم لا أريد أن أكون رئيس حكومة طالما ميشال عون في بعبدا!”.
لكن لا يبدو أنّ الحريري حيَّد نفسه تمامًا. وها هو الموقفُ المنسوب الى رئيس الحكومة في جلسة ترأسها رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا، وهو أمرٌ غير اعتياديٍّ بما حمله من رسائلٍ ناريّةٍ، استدعى ردًّا فوريًّا من كتلة المستقبل النيابية.
وفيما كان لافتًا عدم تماهي فريق الحريري مع الحملة التي دفعت باتجاه تسييس أزمة انتقال “الكورونا” الى لبنان والضغط لوقفِ الرحلات من ايران وذلك عبر “الدعوة الى سحب خطر الفيروس من دائرة التسييس وجعله مسألة خلافية وإعطاء الاولوية لسلامة المواطنين”.
فإنّ “المستقبل”، تحدَّث عن انضمام دياب الى فريق المسوِّقين لتراكماتِ السنوات الثلاثين الماضية وتحميلها مسؤولية تفاقم الدين العام”، معتبرًا، أنّه “يصبّ في إطار استهداف الرئيس الشهيد رفيق الحريري والسياسات الحريرية”، مع تجنّب بيت الوسط تقديم “وصفاتٍ” للحلّ في الموضوع الاقتصادي وكذلك المالي.
وقد اتّسمت كلمة دياب الذي تقصَّد تظهيرها في بيانٍ رسميٍّ عبر وزيرة الاعلام منال عبد الصمد نجد بلهجةٍ حادّة للمرة الاولى منذ تسلّمهِ مهامهِ بالاشارة الى “أوركسترا بدأت عندما اكتشفت أنها لم تستطع العثور على أي خطأ لهذه الحكومة، تُحرِّض في الخارج ضد لبنان لمنع الدول الشقيقة والصديقة من مساعدته ماليًا ومنعه من الانهيار”، مشيرًا، الى “جهاتٍ لا تهتم بأنّ البلد ينهار، بل المهم عندها أن تفشِّلَ الحكومة وأن لا تنكشف عوراتها والموبقات التي ارتكبتها وأدّت إلى الأوضاع الخطيرة التي يعيشها البلد اليوم”.
ومع مغادرة وفد صندوق النقد الدولي بيروت، وعلى بعد أيامٍ قليلةٍ من استحقاق التاسع من آذار حول سندات “يوروبوند”، تؤكّد مصادر وزارية، أنه قد يتمّ استنفاد المهلة كاملة قبل صدور القرار الرسمي عن الحكومة على ضوءِ الاستعانة برأي الاستشاريَّيْن المالي والقانوني “لازار” و”كليري غوتليب”.
ومع التسليم بواقع عدم استسهال تداعيات عدم الدفع لحاملي السندات من المستثمرين الاجانب والأمر الذي يمكن أن يقود الى رفع دعاوى ضد الدولة اللبنانية أو الحجز على احتياطي مصرف لبنان، فإنّ هناك رأيًا غالبًا في محيطِ رئيس الحكومة يقول، بإمكان مواكبة هذه التداعيات والتعامل معها وفق خطةٍ ماليةٍ إنقاذيةٍ محدَّدة سلفًا”.
مع العلم، أنّ خفض تصنيف لبنان من قبل وكالتي “ستاندرد أند بورز” و”موديز” يضيف عقدة أخرى بالتوازي مع أزمة استحقاقات الدين الضاغطة. أما التوجه العام، فسيكون بالتوقف عن دفع الديون وإعادة هيكلتها أو جدولتها أو كليهما في الوقت نفسه، لكن من دون وضوح الالية حتى الآن، مع تحديدِ الاثر الناتج على الخزينة والدائنين وأكلافه وتحديد إجراءات حماية أصول مصرف لبنان من الحجز.
على خطٍّ موازٍ، وفيما سجّل تحفظ سابق من جانب القوى السياسية على تحديدِ موقفٍ واضحٍ من المساعدة التي تطلبها الدولة اللبنانية من مجموعة صندوق النقد الدولي، فإنّ أوّلَ الغيث صدر من جانب حز ب ا لله مع إعلان نائب أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم الصريح عن “رفض الخضوع لأدوات استكبارية في العلاج لادارة الأزمة، وعدم الممانعة من تقديم الاستشارات”، على أن تضعَ الحكومة “خطة وتتخذ إجراءات بناءة لبدء المعالجة ووضعها على طريق الحل على أساسِ خطةٍ إصلاحيةٍ مالية إقتصادية إجتماعية مؤقتة متكاملة واستراتيجية”، مع الرهان على “أن تظهرَ بعض النتائج ولو بعد حين”.
يتزامن هذا الموقف المُعلَن مع بروز مؤشراتٍ واضحةٍ بعدم توجه الحكومة لا في المرحلة الحالية ولا مستقبلًا للاستعانة بالـ IMF وتبني برنامج تمويلي انقاذي من جانبها يجزم كثيرون، أنه سيحمّل الجزء الاكبر من تبعاتهِ للطبقاتِ الفقيرة والمتوسطة ما يعطي “وصفة جاهزة” للانفجار الاجتماعي بسبب سلّة شروطه القاسية التي لا تحملها التركيبة اللبنانية المعقدة.
النائب ياسين جابر أحد الذين نادوا بالحكومة بوصفها “حكومة الفرصة الاخيرة” يقول لـ”ليبانون ديبايت”، “صندوق النقد الدولي لم يخلع الباب بالقوّةِ ليفرض شروطه أو يطلب الالتزام ببرنامجٍ تمويليٍّ مع سلّة شروط. لقد طلبنا مشورته التقنية فقط ولم يفرض علينا أي شرط بالمقابل”.
ويضيف:”حصيلة الاجتماعات نقطتان أساسيّتان: إعداد لبنان خطةٍ للنهوضِ تتلاءم مع أزمتهِ الحادّة والاصلاحات ثم الاصلاحات كمدخلٍ لاستعادة الصدقية وتحسين صورتنا أمام المجتمع الدولي”.
معتبرًا، أنّ “المصداقية المفقودة هي كبرى الازمات، حيث أنّ لبنان أعطى وعودًا كثيرة في المؤتمرات الدولية ودأب على الكذب في ظل عدم تبنيه مشاريع الاصلاح خلال الحكومات المتعاقبة”، متسائلًا، “شو هالشي العظيم مثلًا تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء الذي لم تستطع أي حكومة تحقيقه وتعيين هيئات ناظمة؟!”.
ويجزم جابر، “الهروب الى الامام لا ينفع أبدًا. هناك كارثةٌ حقيقيّةٌ تمامًا كالطائرة التي تسقط بقوّة فيما نحن نسعى لأن لا يكون الارتطام قويًّا”.
وهل بإستطاعة الحكومة الحالية مع طاقمها الاستشاري الداخلي والخارجي وفي ظل اشتدادِ حدّةِ الازمات تقديم الخطة “المحلية” المطلوبة لجذب المساعدة المالية المطلوبة من باب استعادة الثقة بلبنان؟ يقول جابر، “نعم هناك فرصة.
هناك العديد من الدول التي مرَّت بأزماتٍ مماثلة. أقلَّه هذه الحكومة أفضل من الحكومَتَيْن السابقتَيْن السيئتَيْن. إذ أنّ تناتشَ الحصصِ ليس في أجندتها، وهي عبارةٌ عن خليةِ عملٍ تعقد الاجتماعات وثمّة حالة طوارئ مُعلَنَة واستنفار على أكثر من جبهةٍ”.