كانت تشعر انها في غيبوبة او انفصام بالشخصية رغم التألق.
صارت تميل للعزلة واكتشفت انها تنقصها الثقافة الدينية.
قبلت الحجر الاسود وبكت وتذكرت الاضواء والنجومية ودعت لربها أن يغفر لها.
تمنت على المحطات حجب أفلامها وخصوصاً”حمام الملاطيلي”.
الحلقة الأولى
إعداد: إبتسام غنيم
ظهرت شمس البارودي في بداية الستينات، وإسمها بالكامل شمس الملوك البارودي، تنحدر من أصل سوري.
لم تكن السينما تعني لها شيئاً ولم تكن اضواء الشهرة تجذبها ولا حتى التلفزيون، لانها منذ الصغر كانت قد قررت أن تلتحق بكلية الحقوق، أو معهد الفنون الجميلة، وصودف أن ذهبت ذات يوم الى التلفزيون لتتفرج على اختها المشتركة ببرنامج للأطفال اسمه “ماما سميحة”، وهناك شاهدها المخرج عبد المنعم شكري، فلفتته برقتها وعرض على والدتها ان تمثل في أوبريت “قطر الندى” فوافقتا.
وفوجئت شمس من أن مجلة الاذاعة تنشر صورتها على الغلاف وكل الانظار متجهه اليها، فأختارتها المنتجة اللبنانية الاصل ماري كويني لفيلم “دنيا البنات”، ورغم نجاحها بالعمل الا انها أي شمس اتخدت حينها قراراً حاسماً وهو ترك الفن والتركيز على الدراسة!!
وتابعت شمس الملوك دروسها وحصلت على شهادة الثانوية من مدرسة حلوان، وبدأ حلمها بارتداء ثوب المحاماة يكبر، ولم تبهرها إضواء النجومية، ولم يكن يعنيها أن تكون سندريللا على الشاشة بقدر تمنيها ان تكون الاستاذة شمس التي تدافع عن المظلومين وتنصر الحق، وكانت الصدمه عندما لم تحصل على المؤهل الذي يخولها للدخول الى كلية الحقوق.
وترددت بين معهد الفنون ومعهد التمثيل المسرحي، الى أن أخذ القرارعنها المخرج عبد المنعم شكري، وجعلها تدخل معهد التمثيل لانه كان يرى بها سندريللا للشاشة ، وفي السنه الثانية من دراستها بالمعهد وقّعت مع مؤسسة السينما ثلاثة عقود سينمائية، وكانت النتيجة فصلها من المعهد، وبدأت من يومها مرحلة جديدة في حياتها على الصعيدين الفني والشخصي.
صارت شمس تقدم الافلام التي تعرض عليها وسعدت من انها حققت انتشاراً كبيراً، ورغم النجاحات التي كانت تحققها الا انها كانت ضمنا تشعر ان لا رغبة لها بالتمثيل، لاسيما وأن كل الادوار التي كانت تتلقاها كانت تظهرها كفتاة جميلة فقط.
كما ان كل عائدها المادي كان يذهب للمكياج وللثياب، وكانت تشعر انها في غيبوبة او انفصام بالشخصية،مع الاشارة الى ان الاعمال التي قدمتها حينذاك حققت لها مكانة مميزة بين نجمات الصف الأول ومنه”متعة الحب”، “حمام الملاطيلي”،”مراهقة من الارياف”،” الجبان والحب” وغيرها من الافلام التي إتسمت بالجراة الزائدة، والتي ما من ممثلة تستطيع ادائها سوى شمس البارودي.
وبدأت شمس مرحلة جديدة من التألق الفني، وقدمت جملة من الافلام القوية التي اتسمت بالجرأة وبالموضوعات الدسمه مثل “القطط السمان”،”المجرم”،”دموع بلا خطايا”،”ابنتي والذئب”،”المطلقات”،”المراة التي غلبت الشيطان”،”إمرأة سيئة السمعة”،”هي والشياطين”،”المساجين الثلاثة”.
وتميزت أكثر عندما صارت تقدم أعمالا من اخراج زوجها حسن يوسف الذي أحرز لها نقلة في التمثيل ،وصار يركز على مضمونها كممثلة وليس كوجة جميل، وصارت مطلوبة أكثر للأعمال وكان القرار الذي اتخذته على غفله وهو عدم تقديم أي فيلم ما لم يحرك مشاعرها، وصارت تمكث بالبيت ثلاثة أعوام بلا عمل الى أن تعثر على النص المناسب كدورها بفيلم” اتنين على الطريق” مع عادل امام وعادل ادهم الذي مثلته عام 1982 من دون أن تعلم انه سيكون آخر افلامها السينمائية، رغم النجاح الكبير الذي احرزه.
وصارت شمس تميل للعزلة واكتشفت انها تنقصها الثقافة الدينية وانها كانت تصلي وطلاء الاظافر على يديها، وهو أمر يُبطل الوضؤ فصارت تصلي بأنتظام وتشعر برغبة بارتداء الحجاب، لكنها لم تجاهر لأحد بذلك، خصوصا أن أصدقائها كانوا من خارج الوسط الفني ، وفي يوم أراد حسن يوسف أن يؤدي مناسك العمرة،وعرض عليها الذهاب معه فتململت، وما أن سافر حسن حتى مرضت إبنتها بنزلة شعبية قوية، ثم انتقلت العدوى لابنها ثم لها، فشعرت ان الرب يعاقبها لانها رفضت دعوة زيارة الاراضي المقدسة.
وبعد الشفاء سافرت لاداء مناسك العمرة.. وفي الحرم النبوي قرأت المصحف وشعرت انها تريد أن تختمه في مكة المكرمة، رغم انها لم تفهم تفسير الكثير من الآيات، الا أن اصراراً داخليا كان يدفعها لتختمة، وعادت فكرة الحجاب تراودها.
ثم عمدت الى إستوهاب عمرة لأختها الغير الشقيقة المتوفاة، وما أن انتهت من المناسك وعادت الى الفندق، حتى شعرت انها تريد العودة ثانية الى الحرم النبوي، وهناك قبلت الحجر الاسود وبكت وتذكرت الاضواء والنجومية والمشاهد الساخنة التي جسدتها بالأفلام، ودعت لربها أن يغفر لها، واحست انها انسانة ثانية وكان القرار الذي تتخذه لأول مرة في حياتها وعن قناعة تامة وهو ارتداء الحجاب والاعتزال.
وعادت الى مصر منقبة، ومن يومها غابت عن الاضواء، وتمنت على كل المحطات ان لايعرضوا افلامها التي تتضمن مشاهداً حميمية مراعاة لوضعها الحالي، لاسيما فيلم “حمام الملاطيلي”.
(يتبع في الحلقة المقبلة).