رصد ومتابعة- خاص شبكة تحقيقات الاعلامية
جوليا أحمد
الصين المعروفة رسميًا باسم جمهورية الصين الشعبية هي الدولة الأكثر سكانًا في العالم حيث يقطنها أكثر من 1.338 مليار نسمة. تقع في شرق آسيا ويحكمها الحزب الشيوعي الصيني في ظل نظام الحزب الواحد. تتألف الصين من أكثر من 22 مقاطعة وخمس مناطق ذاتية الحكم وأربع بلديات تدار مباشرة، عاصمة البلاد هي مدينة بكين.
للصين علاقات متنوعة مع باقي الدول منها التجارية والإقتصادية والإستثمارية والعلمية وغيرها. فكان للبنان نصيب كبير من هذه العلاقات. حيث غزت البضائع الصينية السوق اللبنانية بكثافة وتم تصدير الكثير من المنتوجات اللبنانية الى الصين ايضا”. لذلك ولمعرفة المزيد حول العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية بين الصين ولبنان، قمنا بإجراء مقابلة صحافية مع الدكتورة تمارا برو، الباحثة في الشأن الصيني وبطرح اسئلة تراوحت بين السياسية والإقتصادية والعسكرية والإنماء.
فالدكتورة تمارا برّو حاصلة على دكتوراه في القانون العام من الجامعة اللبنانية وباحثة في الشأن الصيني. لها العديد من المؤلفات حول الصين منها التعاون الثقافي بين لبنان والصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، دور الصين في عمليات حفظ السلام( القوات الصينية في لبنان نموذجاً). شاركت في العديد من المؤتمرات والدورات التدريبية في الصين منها منتدى علم الصينيات بين الشباب الصيني والعربي الذي عقد في مقاطعة شانغدو، وبرنامج زيارة الشباب المتخصصين في علم الصينيات المنعقد في مقاطقة شيآن، والمنتدى الأول للحوار بين الشباب من الصين والشرق الأوسط الذي عقد في بكين.
- 1- ما هي طبيعة العلاقة الدولية بين الصين ولبنان؟
بشكل عام تقيم الصين علاقاتها مع دول العالم على أساس مبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك.وبالنسبة إلى لبنان تعود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى العام 1971. ولكن العلاقات الودية بين البلدين تعود إلى قديم الزمان حيث أن طريق الحرير القديم كان يربط الشعب الصيني بالشعب اللبناني منذ أكثر من 2000 عاماً.
كما عرف الصينيون لبنان عن طريق الطبيب الأميركي اللبناني الأصل جورج حاتم الذي رافق مسيرة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ كطبيب له. ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تطورت العلاقات بينهما حيث وقع لبنان العديد من الاتفاقيات الثنائية في مختلف المجالات الثقافية والتجارية والاعلامية والاقتصادية والسياحية. وتكثف التعاون بين البلدين في السنوات الأخيرة خاصة بعد ان أطلق الرئيس شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق في العام 2013 وانضم إليها لبنان في العام 2017.ويذكر أن للبنان دور مميز في طريق الحرير بسبب موقعه الجغرافي وانفتاحه على الجميع.
- 2- ما هي النوايا الصينية تجاه الشرق الأوسط عامة وتجاه لبنان خاصة؟
تعد الصين حليفاً قوياً لدول الشرق الأوسط وقد تطورت العلاقات بينهما بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.
الصين لا تسعى إلى أن يكون لها منطقة نفوذ في هذه المنطقة، بل هي تقيم علاقاتها مع دول الشرق الأوسط على أساس المنفعة المتبادلة والكسب المشترك والتنمية المشتركة ومعادلة رابح رابح. ويعود اهتمام الصين بمنطقة الشرق الأوسط إلى اعتبارات عدة وهي اقتصادية بحتة. فهذه المنطقة تلعب دوراً هاماً في توفير موارد الطاقة. والصين تملك متطلبات هائلة للطاقة باعتبارهاأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان وثاني أكبر اقتصاد في العالم، والمتوقع أن يصبح الاقتصاد الأول عالمياً بحلول 2030.
كما أن مبادرة الحزام والطريق والتي تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري تتطلب توفر للطاقة.
تعتبر الصين اليوم أكبر مستورد للنفط الخام في العالم. وتعتبر السعودية والعراق أكبر مزودي النفط الخام للصين حيث بلغت حصتها 19% بالنسبة للسعودية و 14% بالنسبة للعراق. وتوفر دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق الآن 60 % من واردات الصين النفطية ومن المتوقع أن يمثل الشرق الأوسط 70% من احتياطات الصين من الطاقة بحلول 2030. ولا تقتصر العلاقة بين الصين ودول الشرق الأوسط على النفط، بل أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة ملحوظة في التعاون في مجال البنى التحتية كذلك في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ومن ناحية أخرى يعتبر الشرق الأوسط واحداً من ضمن الأسواق الاستهلاكية الكبرى للبضائع الصينية. كما تشكل منطقة الشرق الأوسط دوراً كبيراً في مبادرة الحزام والطريقالتي من شأنها أن تعزز النمو والتبادل التجاري والاقتصادي بين الصين ودول هذه المنطقة.
أما بالنسبة إلى نوايا الصين تجاه لبنان فالصين دولة عظمى يحتل اقتصادها المركز الثاني عالمياً ولبنان دولة صغيرة يعاني من مشاكل اقتصادية وعجز تجاري كبير، ولكنه بالمقابل يتمتع بموقع جغرافي هام جداً كبوابة باتجاه الشرق العربي من ناحية وباتجاه أوروبا من ناحية أخرى. كما يمتلك امكانيات مهمة كالعنصر البشري الخبير والمدرب والقطاع المصرفي المتطور بالاضافة إلى انفتاحه على الجميع وبلد نفطي يستعد للانضمام إلى الدول المنتجة للنفط. وهذا يعني امكانية وجود تقاطعات اقتصادية وتجارية كبيرة بين البلدين إذا ما تم استغلالها ستعود بالنفع على الصن وعلى لبنان.
كما أن للبنان دور مميز على طريق الحرير والصين مهتمة بجعل لبنان مركزاً تجارياً للتجارة العربية ولعبور الصين إلى المنطقة عبره ومحطة لعبور الصين إلى سوريا بهدف إعادة الاعمار.
- 3- هل تدعم الصين لبنان اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً في الآونة الأخيرة؟
تدعم الصين لبنان على مختلف الأصعدة وتدعم جهوده في صيانة سيادة الدولة واستقلالها ومكافحة الارهاب.
حالياً تتبوأ الصين المركز الأول بالنسبة للدول المصدرة إلى لبنان حيث استورد هذا الأخير منها في العام 2019 حوالي 1.5 مليار دولار، أما صادرات لبنان إلى الصين فبلغت حوالي17,591مليون دولار . كما تساعد الصين الجيش اللبناني على تقوية قدراته وكفاءاته وتشارك منذ 2006 في قوات اليونيفل حيث ينفذ حالياً أكثر من 400 ضابط وجندي وضابط الركن من الصين في قوات اليونيفل في جنوب لبنان.
وكانت الصين قد قدمت عدة عروض للحكومة اللبنانية منها القيام بمشاريع تنموية بأكثر من عشرة مليارات دولار، تنظيف نهر الليطاني، حل أزمة الكهرباء، المشاركة في قطاع النفط والغاز ، تحويل لبنان إلى مركز مالي صيني اقليمي،توسيع ميناء طرابلس، إحياء سكة الحديد اللبنانية (بيروت- طرابلس، طرابلس- حلب) ، تطوير معرض رشيد كرامة، السعي لإنشاء العديد من المصانع في منطقة الشمال، تطوير البنى التحتية، كما كان العمل يجري على أن تقوم مجموعة من الشركات الصينية على استئجار مجمع الكاسكادا مول في البقاع الأوسط لإقامة مجمع يشبه دراغون ماركت بدبي وذلك من أجل تلبيةاحتياجات الأسواق اللبنانية والسورية والعراقية والأردنية. ولكن للأسف الجانب اللبناني لم يبد حماساً حول هذه المشاريع بسبب رفض الولايات المتحدة الأمريكية لأي دور صيني في لبنان.
- 4- ما هو موقف الصين تجاه الربيع العربي في الشرق الأوسط؟
تدعو الصين دائماً إلى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وعلى حل النزاعات بالحوار وبالطريق السلمية وتعارض التدخل الأجنبي والعقوبات الأحادية الجانب واستخدام القوة أو التهديد باستخدامها. كما تدعم الصين الشعوب من أجل الحرية وتحقيق التنمية الاقتصادية.
ففي بداية الثورات في مصر وتونس اتخذت الصين موقف الصمت والتحفظ لأنها ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتحترم سيادتها ولكن في المسألة السورية استخدمت الصين حق النقض الفيتو عدة مرات في وجه قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى التدخل العسكري واستخدام القوة. فالصين تدعو دائماً إلى حل النزاع في سوريا سياسياً لا عسكرياً عبر التفاوض والتشاور بين الأطراف السورية ورغبة منها في محاولة لايجاد حل للنزاع بالطرق السياسية عينت مبعوثاً خاصاً إلى سوريا للعمل على حل الصراع من خلال التفاوض بين الأطراف المتنازعة. كما استضافت في العام 2016 على انفراد ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة.
- 5- السؤال الذي يطرح في الآونة الأخيرة هل ستحمي الصين إيران من العقوبات الأميركية؟
أدت الحرب الاقتصادية التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية ضد الصين وإيران إلى تقارب بين الدولتين اللتين تتمتعان بعلاقات ثابتة ومتينة. تعتبر الصين أكبر مستورد للنفط الإيراني، وعلى مدار العقد الماضي استثمرت الشركات الصينية أكثر من 5 مليارات دولار في تحسين البنية التحتية لتكرير الغاز والنفط وفي مشاريع تنموية أخرى في إيران، وقدازدهر التبادل التجاري بين البلدين في العام 2018 ليصل إلى 48مليار دولار.
وتعتبر الصين اليوم الشريك التجاري الأول لإيران. فعلى الرغم من فرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على النفط الإيراني، إلا ان الصين واصلت شراء النفط فالصين تعارض فرض العقوبات الأحادية وتدعم جهود طهران لحماية مصالحها.
- 6- أين اصبح التطور الاقتصادي والتجاري اليوم في الصين؟
شهدت الصين نمواً اقتصادياً سريعاً خاصة منذ بدء تطبيق سياسة الاصلاح والانفتاح في العام 1978 ، وحالياً يعتبر الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم ، وأول احتياطي من العملات الأجنبية في العالم، وصاحب أكبر صادرات من البضائع عالمياً. وبسبب الحرب التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية انخفض نمو الصين الاقتصادي، ولكنه لا يزال ثاني أكبر اقتصاد عالمياً. فالصين لا تريد الحرب التجارية ليس خوفاً منها ، بل هي ترحب بأي حوار لانهاء هذه الحرب التي تعود بالخسارة على الولايات المتحدة الأميركية أكثر منها على الصين.
وأعطي مثالاً هنا حول فرض الرئيس الأميركي جورج بوش الابن تعريفات جمركية على الصلب في العام 2002 وهذا الأمر أثر سلباً على الناتج المحلي الاجمالي والعمالة في الولايات المتحدة الأميركية.
- 7- كيف تتعامل الولايات المتحدة الأميركية مع التقدم الصيني الهائل؟
أثار التقدم الهائل الذي تشهده الصين حفيظة الولايات المتحدة الأميركية التي ترى فيه تهديداً كبيراً لمصالحها وإمكانية أن تصبح الصين القوة الأولى في العالم. لذلك لجأت إلى مواجهة التنين الصاعد ففرضت رسوم جمركية على السلع الصينية وهو ما قابلته الصين بالمثل. وحالياً تخوض كلا الدولتين حرباً تجارية أثرت على الاقتصاد العالمي. كما عمدت الولايات المتحدة الأميركية إلى فرض حظر على عملاق التكنولوجيا الصيني( هواوي) حيث تعتبر شركة هواوي ثاني أكبر منتج للهواتف الذكية متفوقة بذلك على شركة آبل الأميركية.
ومن جهة أخرى لجأت الولايات المتحدة الأميركية إلى ممارسة فرض ضغوط على الكثير من دول العالم لعدم التجاوب مع مبادرة الحزام والطريق. إضافة إلى إشغال الصين بمشاكل داخلية لثنيها عن مواصلة التطور كتدخلها في أزمة هونغ كونغ وخلق اضطرابات في مقاطعتي شينجيانغوالتيبت، فضلاً عن توتير الأوضاع بين الصين وجيرانها في بحر الصين الجنوبي وعرقلة تطبيع الأوضاع بين الكوريتين.