“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
لم يكن إنفجار رئيس الحكومة حسّان دياب خلال جلسةِ بعبدا الشهيرة إلاّ النقطة التي فاضت بها كأسه، الرجل المصنَّف “حديديًا” وقع ضحية أعمال غيره المنافية للحشمةِ فكيف إذا كانوا بمثابة متسلقي نِعمٍ سياسيّةٍ؟
تحدث حسّان دياب عن “اوركسترا” و”شياطين” ينغصون عيشته الحكومية في السراي. مجموعة المفترين من ممتهني أعمال الوشاية لدى الصالونات، لكنه فضل أن لا يشير إليهم بالاسم، مع أنّه لم يعد من الصعبِ اكتشافِ هويتهم في حال الركون إلى زيارة وزيرٍ سابقٍ برتبةِ إعلاميٍّ موفدًا من رئيسِ حزبهِ إلى بلاطِ دولةٍ خليجيةٍ لها تأثيرها في لبنان.
البعض، فضَّلَ عدم إعطاءِ كلام دياب صفة الناقدِ للرئيس سعد الحريري عملًا بدواعي “تصفير المشاكل سُنيًا”، وبنى على ذلك فرضية “تبرئة الحريري” من التهمِ، وهذا مفهومٌ ما دام هذا البعض يفتح الخطوط بين الرئيسَيْن الحالي والسابق ويُراهن على “حسن السلوك” في المودة، لكن في العُمق لا يُمكن إخفاء واقع أنّ مواقفَ دياب لفحت رئيس الحكومة السابق.
يتصرف سعد الحريري على اساس أنّه الآمر الناهي سُنّيًا إذ لا رأي يفوق رأيه! “بيّ الطائفة” على ما قال ذات مرةٍ، يريد ممارسة الابوة باشكالها كلها، ولا يقبل مطلقًا أن تؤمن المعابر السياسية إلى رئيس الحكومة “السُنّي” من خارجِ شورهِ ورأيهِ.
أحد الزوار الدائمين للحريري، كان يردد أنّ رئيس الحكومة السابق كان ينعت دياب داخل مجالسه بأبشعِ العبارات، وفي مرة ضرب على صدره في حال سمح له بالعبور خارج السراي الكبير! اذًا المسألة هي كيدية تحولت إلى شخصية بفعل إقحام الحريري بين ما هو شخصيٌّ وسياسيٌّ وعدم قدرته على الفصل بينهما.
أكثر من معلومةٍ تؤكد لجوء الحريري إلى ممارسة الكيدية ذات القياس “الولادي” مع دياب. مبادرته الى القيام بجولةٍ خليجيةٍ تشمل الإمارات والسعودية لها وظيفة أخرى غير محاولة إعادة المياه إلى مجاريها بينه وبينهم، تتصل بالطلب الى الدولتين عدم منح تأشيرة دخول إلى دياب من خارج رأيه كونه ما زال خليجيًا مُفتاح الطائفة السُنّية في لبنان، فهل حقّق ذلك؟
تفاصيل زيارة الحريري الخليجية اصبغت صفة “المجهول” وبقيت طي الكتمان وغابت أخبارها منذ أن دخلَ الحريري ربوع الخليج وعاد منه ما أحال الزيارة إلى خانةِ الاستبصار.
رئيس تيار المستقبل يريد أن يوحي أنه صاحب الصلاحية والشور والرأي في تأمين زيارة دياب إلى الخليج ولا مشكلة لديه في “فتح البوابة” في حال طُلب منه ذلك. من هُنا، مرّرَ إلى “حاشيته السياسية” ضرورة تسريب أجواءٍ توحي بأنّه ليس لديه مشكلة في تأمين مواعيدٍ لدياب وغيره في الخارج لكن بشرط كسب تفويضٍ رسميٍّ من رئاستي الجمهورية ومجلس الوزراء.
معنى ذلك، أنّ الحريري يريد ممارسة الصلاحيات ضمن منطق التحول إلى رئيس حكومة ظلّ، وفي معنى أوضح، يعشق ممارسة سياسة “السلبطة” على المختلفين معه في الرأي داخل الطائفة، وهو لن يألوا جهدًا في تشويهِ صورة دياب في الخارج ومحاولة منعهِ من تأمين أي موعدٍ سواء في السعودية أو الإمارات أو حتى البحرين!
بالنسبة إلى دياب، هذه الأمور كلها وراءه ويمكن تجاوزها. هو اصلًا وحتى هذه الساعة، لم يضع أيّ تصورٍ حول جولةٍ عربيةٍ أو خليجيةٍ بل إنّ ما يجري الحديث عنه اليوم يأتي في السياق الطبيعي لأي رئيس حكومة في لبنان يؤمم عهده بجولةٍ عربيةٍ خارجيةٍ.
تؤكد المصادر القريبة من رئيس الحكومة، أنه ولغاية اللحظة لم يبادر إلى طرق أبواب الخليج على المستوى الرسمي ولم يطلب من أي سفير عربي تأمين موعدٍ له في الخارج، مع الاشارة إلى أن الدعوة العربية الوحيدة التي تلقاها بشكلٍ رسميٍّ أتت من قطر، فأدرجها على قائمةِ الانتظار ريثما تتبلور الأمور بعدما أسديت إليه نصائح بعدم تدشين الجولة بزيارة الامارة المقاطعة خليجيًا.
لكن البعض ما زال يجزم أن دياب ماضٍ إلى قطر، وهو إدعاءٌ أو إيحاءٌ ينطوي على نيةٍ في توريطِ رئيس الحكومة أمام السعودية ومحاولة إظهاره كطرفٍ سياسيٍّ يناصبها الخصومة!
يدرك دياب ذلك ويعي أنه لا بد من جولةٍ عربيةٍ، لكنه لن يخوض غمارها قبل عمر الـ 100 يوم في حكومته وهي المهلة التي وضعها لنفسه من أجل تأمين المسارات لخطواته، والاهم بالنسبة إليه الآن هو الشأنَيْن الاقتصادي والمالي، وبعد إنتاج الخططِ يأتي الحديث عن مرحلةِ الجولات.
لكن البعض يشاء دومًا لفّ كلام دياب بكثيرٍ من التأويلات خاصة عندما جرى ربط زيارة السفير الفرنسي في بيروت برنارد فوشيه إلى دياب وإعلان الاخير، أنه في صددِ القيام بجولةٍ في النصفِ الثاني من آذار، ما حمل هؤلاء على الادعاء أنّ دياب ينتظر الموافقة على طلبه زيارة باريس، علمًا أنّ أي من المقربين إليه أكد هذه المقولة، بل أن أحدهم جزم أن دياب لن يزور أي بلدٍ عربي قبل زيارة الدول العربية والخليجية على سلمِ أولوياته!