مرة أخرى في تاريخ هذه الجامعة العربية الصورية المخيبة للآمال، يتحدث أمينها العام عن الأحلام الخيالية والطموحات الفضائية، التي نسمع عنها منذ عام 1964 تاريخ عقد القمة الأولى في أنشاص، وبعدها عبر سلسلة من القمم، وصل عددها الى أربعين، لكننا عملياً مكانك راوح، إن لم نكن نسرع الخطى الى الوراء، وهو ما لا يجادل فيه أحد حتى الأمين العام اليوم أحمد أبو الغيط [وزير خارجية مصر سابقاً
كيف نصنع جامعة عربية ناجحة ومقتدرة، لعالم عربي مفكك ومترهل ومنقسم ومتصارع، ومعظم أنظمته تتحدث عن التطوير والطموحات والمستقبل لكنها تعمل عكس كل هذا؟
مسخرة؟ ربما أكثر، خصوصاً إذا حاولنا ان نقارن بين المشاكل العويصة والمعقدة التي تواجه العرب، وذلك السبات والعجز المفروضين على الجامعة العربية نتيجة الخلافات الهائلة التي طالما عصفت بأعضائها، وهكذا لم يكن في وسع أبو الغيط إلا ان يتحدث بعد لقاءاته المسؤولين في بيروت عن الاحلام والطموحات وما الى ذلك من الأمور المستحيلة تقريباً، خصوصاً عندما أشار الى إستئناف القمم التنموية العربية في إطار منظومة العمل العربي المشترك… هكذا بالحرف “منظومة العمل العربي المشترك”، فعن أي منظومة يتحدث وعن أي عمل عربي مشترك؟
تبدو التصريحات أحياناً أشبه بإيقاظ المبنج من غيبوبته ليتذكر حجم الألم الذي يعانيه، وهذا ليس خافياً قطعاً على أبو الغيط، ولكن ماذا في وسعه ان يقول: فهو يعرف جيداً ان الواقع بائس ومن سيئ الى أسوأ، وكل ما يتعلّق بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، لا يعني شيئاً بالنسبة الى عدد كبير من الدول العربية الغارقة في مشاكلها الداخلية وصراعاتها ودمارها وربيعها الذي يقطر دماً ودماراً، وهذه رياحه ويا للأسف تضرب في بعض دول المغرب العربي [الجزائر والسودان وليبيا طبعاً] بعدما عصفت شديداً في عدد من دول المشرق العربي [سوريا واليمن والعراق على الأقل].
ما يؤلم أكثر ان نسمع أبو الغيط، وهو الرجل المتنور والمسؤول، يحاول ان يقفز فوق تصريحات بنيامين نتنياهو، الذي إبتلع القدس وضم الجولان والذي يخطط لإبتلاع الضفة الغربية كلها، ليتحدث عن اللاجئين السوريين في لبنان، ويقول بالحرف:
“إن وجود النازح موقت، وعاجلاً أم آجلاً سيعود الى بلده، عندما تكون مستعدة لإستعادته، والمشكلة أن يعود الى أرض غير مناسبة، فيما هو يتمتع خارج سوريا بخيرات كثيرة”!
كثّر الله خيرك يا سعادة أبو الغيط، الجامعة العربية لم تقرر إعادة سوريا الى صفوفها، والنزوح السوري وسط الظروف الراهنة ليس موقتاً على الإطلاق، أولاً لأن بلاد النازحين السوريين غير مستعدة لإستعادتهم لسببن، سياسي وإقتصادي وهو ما يهدد لبنان صراحة، بموجات لجوء جديدة هرباً من الفاقة.
وثانياً لأن سوريا قبل إعادة الإعمار ليست أرضاً مناسبة للعيش كما تقول، وثالثاً لأن النازح يتمتع فعلاً في لبنان بخيرات كثيرة، فهو يعمل ويقبض مساعدة شهرية من الأمم المتحدة، ولهذا ليس كثيراً ان تبلغنا اليونيفيل، ان أكثر من 300 ألف ولادة سورية جديدة ستتم هذه السنة عندنا لتضاف الى أكثر منها سابقاً.
ما يجعل عدد المكتومين في لبنان نصف مليون… وها أنت سعادتك تتحدث عن ترهات ما يسمى التنمية المستدامة، والحقيقة ان لبنان متروك ليواجه اللجوء المستدام!
المصدر: جريدة النهار