مقال بقلم : الدكتور حسن شمص
يلزم المضون كاتبه ، دون أي مساءلة قد تطال إدارة شبكة تحقيقات
ابان حكم فرانكو والحرب الأهلية الاسبانية ذهب جنرال اعرج مؤيد لفرانكو ليلقي محاضرة في جامعة سلامنكا.
صعد الجنرال على المنبر وبدأ بالثناء على ابطال الحرب وتقدير جهود المحاربين وتضحياتهم بوجه خصومهم اليساريين واستنهاض همم الطلاب وغرائزهم. هتف الطلاب المنتشون بالخطاب يومها “يحيا الموت يحيا الموت”.
ذهب فرانكو ولكن للأسف لم يذهب هذا الهتاف بل الأفظع والاشد مرارة ان يبقى شعار يحي الموت يعمل به الى يومنا هذا. هي ثقافة الموت التي خلدتها الديكتاتورية وألزمت شباباً بتبنيها بدلاً من حثهم على ثقافة الحياة.
لا نتكلم هنا عن اسبانيا ابداً، لأن اسبانيا تعلمت من حربها الاهلية ان الموت يموت ولا يمكن له ان يحي، تعلمت ان هتاف “يحيا الموت” هو هتاف وضيع متدني لا يمكن له ان يبني وطن تسوده الحياة، تعلمت اسبانيا وشعبها ان الموت ليس هدفاً بذاته بل الحياة وربما الموت من اجلها هو الهدف. تعلمت ان الجنرال الاعرج ما هو الا كاذب منافق اراد من موت الشباب مطية لمصالحه وانتقام من واقعه العبثي المزري.
ولكن هناك من لم يتعلم في هذا الوطن من الحرب. في لبنان لم نتعلم، وما عدنا نكتفي بهتاف الشعار المأساوي بل اصبحنا نطبقه. كيف؟ اي عاقل حي يناقش في مسألة الفساد او المحاصصة او ينتفض على زعيم الطائفة نرميه بالموت، نتفنن في قتله، نمعن بأساليب إسكاته، تارةً عميل وطوراً مأجور ويرمى من كل حدب وصوب لأنه أراد الحياة ليست له وحده فقط بل للجميع ولكن اصبحنا نخاف الحياة ونخشاها.
اي شعب حي يريد الحياة يفعل هذا بمناضليه؟ ببساطة لا نريد نضال ولا نريد احد ان يذكرنا بأننا أموات، نردد دائماً ان وجودنا في هذا الشرق هو لمسألة اهم، نعم اهم من ان نحيا، موجودون لنموت اعزاء لا كي نحيا اعزاء.
امام هذا الواقع المرير وامام جمهور من المستسلمين يخرج احياء اشداء ليقولوا نعم لتغليب الوعي والعقل ونعم لإيقاظ النائمين ونعم للنضال في سبيل الحريات ونعم للوقوف في وجه القمع والمصالح والفساد والاتجار بالدين والدعوة للموت.
يقفون بهماتهم الشامخة واصواتهم المدوية عقبة وسد بوجه التبعية العمياء واضعين نصب أعينهم بناء وطن رغم تواضع وقلة مواردهم. هؤلاء رغم قلتهم اسقطوا ديكتاتوريات في العالم وهنا في لبنان يستمرون بأقلاق راحة تجار الموت واتباعهم وسيسقطوهم عاجلاً وليس أجلاً.
وفي البقية لقاء.