رصد ومتابعة- شبكة تحقيقات الإعلامية
إشراف وإعداد: حسين الحاج حسن / مسؤول العلاقات العامة والتواصل
حوار: جوليا أحمد
مدينة بعلبك هي مدينة أثرية وتراثية تستقطب الكثير من السياح في الصيف خصوصا، ولكن هي كغيرها من المدن اللبنانية التي تعاني من نقص في الخدمات التي تقدمها الدولة اللبنانية لجميع مناطقها. لا بل إنعدام لتلك الخدمات وغياب تام للدولة وأجهزتها، وكأنّ المنطقة باتت مستقلة عن الدولة إلاّ فيما للأخيرة من مصالح ليس إلاّ.
شبكة تحقيقات أرادت كسر كل الحواجز، فكان الشارع وجهتنا، هناك قابلنا الناس، استمعنا لهمومهم ويومياتهم الحزينة، ثم حملنا ما بجعلتنا من ملفات وتمنيات وصرخات، وتوجهنا لمكتب سعادة محافظ بعلبك الهرمل الأستاذ بشير خضر، ليس لسؤاله عن الحلول فقط، بل لنُعلن واياه عن خطة يجب أن تبدأ لانقاذ المدينة.
وفي سؤال أوَّلي ومباشر للناس عن خدمات مجلس بلدية بعلبك المقدمة للناس، خاصة وأنها السلطة المحلية المعنية مباشرة بأحوال أهلها وسكان نطاقها الجغرافي، فكان رد البعض بأن بلدية بعلبك تقوم بسرقة كل الأموال الممولة بها لتأمين الخدمات للمواطنين وتحويلها الى حسابات بعض المنتفعين الخاصة. في حين اعتبر آخرون أن هناك تقصيراً كبيراً من جانب البلدية لا سيما على صعيد الاهتمام بالطرقات والنظافة البيئية خاصة للأنهر والحدائق العامة، فضلاً عن عدم وجود موقف عام للسيارات وغياب خطة سير، ونقص مستفحل في خدمات المياه والكهرباء. فكان الجامع بين الناس أنهم وهواجسهم ومعاناتهم في مكان والمجلس البلدي في مكانٍ آخر.
أما السؤال الثاني الذي كان موجهاً لهم بشكل مباشر وصريح هو عن دور الأحزاب السياسية الموجودة في بعلبك وما هو مدى تأثيرها على المجتمع. فالكل متفق على أن للأحزاب دور واحد لعبته حتى اليوم دون سواه وهو منح غطاء سياسي للمخالفين والمرتكبين، فعززت بالتالي حضور الفردنة وأبعدت دور الدولة في المحاسبة، وحتى في ايجاد تسوية او مخارج بينها وبين المطلوبين.
وفي معرض السؤال عن الوضع الأمني الحالي في المدينة كان هناك اجماع على أن الأجواء مستقرة إلى حدٍّ كبير، وأنهم ينظرون للخطة الأمنية بعين الإيجابية رغم بعض عيوبها. لكنهم يطمحون لأن ينعموا بالهدوء الكلي والنهائي حتى يتمكنوا من اعادة افتتاح أعمالهم وتسيير جزء من شؤونهم وشجونهم.
أهالي بعلبك لا سيما الشباب منهم استغلوا وجود منبر اعلامي بينهم، ليقدموا مجموعة مطالب يروون فيها أنها محقة وهم بأمس الحاجة لتنفيذها متى توافرت الارادة لذلك من جانب المسؤولين، فهم يريديون أولاً للأمن من ان يكون ثابتاً لا مستنسباً أو خاضعاً للتجزأة وكثرة التنظيرات، ثم يطمحون لأن يبقوا في منطقتهم لا أن يتركوها بحثاً عن ظروف افضل في بيروت وخلافها، ولذا فالمطلوب وفق رأيهم البدء بتحسين بعض الخدمات الأساسية القادرين عبرها من عبور الواقع المظلم.
نهاية الحديث كانت بتوجيه رسالة الى سعادة محافظ بعلبك-الهرمل الأستاذ بشير خضر من أجل تطوير المنطقة، وهذا النداء يأتي من باب إيمانهم به كشخضية شابة قادرة على فعل شيء لهم ولمنطقتهم.
فإلى المحافظ توجهوا لضرورة مراقبة عمل المجلس البلدي وكيفية صرف الأموال وإقرار المشاريع، ثم السعي لإيجاد بيئة آمنة للاستثمارات تخولهم العمل وتأمين مستلزمات حياتهم، والسعي الجدي لإبراز حضارة بعلبك وتاريخها المُشرِّف كما وتنوعها المطلوب تعزيزه.
ولكن الملفت للنظر هو فقدان الوعي الكافي لدى أهالي بعلبك لحقوقهم ومساعدة الدولة اللبنانية في استمرار تقديمها لجميع الخدمات. لهذا السبب طالب بعض المواطنين بإجراء حملات توعية عن أهمية النظافة البيئية في الطرقات والأنهر وذلك بإعتقادهم بأن يجب عليهم مساعدة الدولة اللبنانية من أجل الحفاظ على مدينتهم الجميلة وبذلك تتسرع عجلة السياحة وتزدهر أكثر فاكثر.
إلى المحافظ … توجَّهنا
بشير خضر ، الإسم الذي تردد كثيراً على مسامع البقاعيين وحفظوه عن غيب. هو شاب ولد في طرابلس في سنة 1982.
جمع باقة اختصاصات في دراسته. درس التصميم التخطيطي و إدارة الأعمال والإعلام من جامعات مختلفة ومعروفة. عمل في عدة شركات خاصة قبل تأسيس عمله الخاص به و تعيينه كمحافظ لمحافظة بعلبك-الهرمل في 2 أيار 2014.
فمدينَتَي بعلبك وطرابلس يتقاسمان تاريخ عريق وقيم وأخلاقيات وحاضر يعاني من إهمال وفقر على المستويين الإقتصادي والإنمائي ولكن الإختلاف يكمن في عقليات الناس التي تعيش بين البقاع والساحل.
في سبيل تطوير منطقة بعلبك يعمل المحافظ على وضع خطط تساهم في تحسين الوضع السياحي الذي يؤدي بالتالي الى تحسن الوضع المعيشي بحيث يساهم هذا القطاع في تحريك العجلة الإقتصادية عند البعلبكي خصوصاً.
نجح المحافظ في جذب نظر منظمات الأمم المتحدة ومن بينها 13 مليون دولار لعدد كبير من البلديات إضافة الى تحويل تهديد وجود اللاجئين السوريين الى منبع للإنماء وذلك من خلال دعم المجتمع المضيف أي المجتمع اللبناني.
من بين هذه المشاريع كان المشروع الأهم هو جلب معدات وشاحنات زراعية وأليات جمع النفايات وغيرها والتي بلغت قيمتها مليون دولار وقد تم توزيعها على أربع بلديات التي لا تملك الميزانية الكافية لشراء هذه المعدات.
والمشروع الثاني كان افتتاح سوق للخضار في بلدة النبي شيت البقاعية والذي تبلغ قيمته 700 ألف دولار ولكن عدم وجود الوعي الكافي عند المواطنين وعدم حسِّهم بالمسؤولية جعل هذا المشروع وغيره مثل مشروع محطة التكرير في الهرمل التي تبلغ قيمته 12 مليون دولار يذهب مع طي الرياح. وحمَّل المحافظ المسؤولية للمواطنين من جهة ولأعيان ومرجعيات ومثقفين المنطقة من جهة أخرى.
وأضاف قائلا” نحن بحاجة الى قادة رأي كي نستطيع المساهمة في تطوير المجتمع المحلي ونحن نعمل الاّن من أجل إعادة افتتاح مشروع سوق الخضار وأضفنا إليه براد لتخزين المحاصيل الزراعية ولكن يتم إختيار المكان خارج النبي شيت وهو مشروع لإتحاد البلديات شرقي وغربي بعلبك.
وعن مخرجات زيارات سفراء الأمم المتحدة العديدة أجاب المحافظ بأن إستضافة منطقة بعلبك-الهرمل للعديد من اللاجئين السوريين يجعل منها محط إهتمام لهذه السفارات ونحن نتعاون معهم من أجل إقامة مشاريع تساهم في معالجة المشاكل الإقتصادية وبالتالي دعم المجتمع البقاعي.
وفي حديث متصل كان الوضع الأمني في المدينة من أهم المحاور التي يجب التكلم عنها. فبالنسبة لسعادة المحافظ الوضع الأمني في بعلبك يوازي الوضع الأمني في باقي المناطق اللبنانية وهو يعمل أكثر من أجل جعل الأمن مستتباً في هذه المدينة التي لطالما عانت على مر خمس سنوات من مظاهر مسلحة وضحايا لرصاص طائش من المؤسسة العسكرية والمواطنين.
فالعناصر الأمنية من أمن داخلي وجيش واجهوا العديد من التحديات الخطيرة والتي كانت تساهم في عدم استطاعتهم فرض سيطرتهم بشكل كامل على المنطقة البقاعية. من بين هذه التحديات وجود خطر إرهابي في عرسال وخطف العسكريين ومعركة فجر الجرود التي دحرت الإرهابيين بشكل كامل من الأراضي اللبنانية ومن ثم الإنتخابات النيابية التي جرت في السنة السابقة.
فسعادته ساهم في هندسة خطة أمنية مناسبة للمدينة لأن تطبيق خطة أمنية كلاسيكية لا تعمل ودون فائدة. فبعلبك تختلف في خطتها الأمنية عن تلك التي تم تطبيقها في طرابلس عندما تدخَّل الجيش الللبناني من أجل فك النزاع بين جهتين مختلفتين والسيطرة على الوضع.
وفي إجتماع له مع فخامة رئيس الجمهورية اقترح المحافظ إجراء مداهمات متفرقة لجلب جميع المطلوبين للعدالة وعناصر هذه المداهمات يجب أن يكونوا من خارج المدينة وذلك حفاظا” على سلامة ومعنويات هؤلاء العناصر وعدم تعريض حياتهم للخطر وهذا ما حصل بالفعل في المنطقة خلال الصيف الماضي.
فالوضع الأمني جيد ولكن نطمح للأفضل، يقولها بثقةٍ وحذر!
انتقل الحديث مع المحافظ عن وجع المواطنين الذي التمسناه من جولاتنا في الشارع ، والذي يكمن في عدم تأمين البلدية لخدمات المواطنين الأساسية. إذ اعتبر أن البلديات هي مجالس محلية يملكون نوعاً، من الإستقلالية ومنتخبين بطريقة ديمقراطية، فالمسؤولية الكبرى هنا تقع على عاتق المواطنين الذين ارتكزوا بانتخابهم لهم على الفكر العائلي والعشائري والجبي وليس على أساس الكفاءة، فصلاحية المحافظة تقتصر فقط على مراقبة القرارات والوضع القانوني للبلديات.
معتبراً أن البلديات اليوم ومن بينها بعلبك تعاني من صعوبة جباية الضرائب العائدة لها، ما ينعكس سلباً على آداؤها كما يجب وكما يطمح المواطن.
وفي سياق الحديث عن تطوير المنطقة سياحيا” وإقتصاديا” قال المحافظ بأن تراجع الموسم السياحي كان بسبب الوضع الأمني الذي مرت به بعلبك و الصورة التي تم غرزها في الأذهان من قبل أبناء المدينة الذين يظهرون على الإعلام للتكلم بشكل سلبي عن بعلبك ووضعها وليس بمنظور إيجابي وراقي وواعٍ .
ولكن الحدث الأهم الذي تم العمل عليه (يتابع المحافظ) هو إظهار الوجه الحقيقي للمدينة. فلقد عمل جاهدا” مع عدة سفارات من أجل إعادة تصنيف بعلبك-الهرمل كمنطقة خضراء موجودة في خريطتهم الأمنية بعدما كانت مصنفة كمنطقة حمراء بحيث تمنع دول هذه السفارات رعاياها من المجيء الى هذه المنطقة خصوصا حفاظا” على سلامتهم الشخصية وهذا ما أعلنه السفير البريطاني منذ شهر مباشرة من مكتب المحافظ.
أما على المستوى البيئي فإن نسبة التصحر التي ترتفع من سنة الى أخرى تساهم في التأثير سلبا” على موارد لبنان مثل المياه الجوفية. إضافة الى ذلك فإن نسبة وجود اللاجئين السوريين في المنطقة تساعد على إنتشار التلوث أكثر مثل توجيه مياه الصرف الصحي الى نهر الليطاني.
ومن أجل حل هذا الموضوع صرح المحافظ لموقعنا بأنه قام بمراسلة جميع البلديات من أجل إفادته عن مالكين الأراضي الزراعية التي يتم تأجيرها للاجئين السوريين من أجل بناء مخيماتهم وهنا تتم ملاحقة هؤلاء المالكين لهذه الأراضي بمساعدة منظمات الأمم المتحدة من أجل بناء جور فنية لجميع حمامات اللاجئين وشفطها بشكل مستمر ومن ثم التخلص منها في محطة التكرير التي يتم بنائها في تمنين.
أما بما يخص موضوع نهر العاصي، أشار خضر إلى أنه تم أخذ إجراءات مشددة من أجل التخلص من فوارغ الدجاج التي يتم وضعها في النهر من أجل السمك وقد تم تحسين الوضع بنسبة 80% والمقاهي المخالفة للقانون على ضفاف نهر العاصي يتم العمل على تسوية وضعها بشكل إيجابي.
على المستوى الزراعي يبقى الأمر الأكثر انعكاسا” على المزارع البقاعي هو تصريف الإنتاج الزراعي الى دول الخليج عن طريق سوريا، والذي توقف بسبب الأزمة السورية وتكاليف شحنه في الطيارات أو السفن مرتفعة جداً، لذلك يجب العمل وفق قناعة المحافظ تنسيق الجهود بين وزارتي الزراعة اللبنانية والسورية وليس فقط على مستوى المحافظة.
أما بالنسبة الى خبر نقل مدخل قلعة بعلبك الى مدخل بعلبك الجنوبي فهو صحيح وذلك بسبب تحديد مدخل ومخرج لهذا الصرح العريق الذي تتمتع به المدينة. فبهذه الطريقة يستطيع السياح الوافدين بإجراء جولة كاملة في المدينة وبالتالي تحريك العجلة الإقتصادية في الأسواق الداخلية.
وفي نهاية اللقاء وجه المحافظ رسالة الى المواطنين وهي أن يبقوا إيجابيين وواعيين الى حقوقهم واجباتهم وبالتالي دعم المحافظة في جميع المشاريع الإنمائية والتعاون معها لتحقيق الإنماء الإقتصادي وتعجيل الحركة السياحية، واعداً إياهم بالسعي الجدي لتثبيتهم في أرضهم وزيادة الخيرات.