حينما تكون الحرية من غير مسؤولية تصبح وقاحة ورذيلة
“ورقة بيضا” NUTS رسائل تعتمد الدعارة يمررها رقيب الأمن العام!
بقلم| جهاد أيوب
“ورقة بيضا” أو بيضات NUTS كما هي الترجمة الحقيقية للكلمة، وليس العنوان المتحايل على الرقيب والناس، بطولة دارين حمزة (لانا)، وغابريال يمين (ابن الجنوب اللبناني عباس)، و الكسندرا أهوجي (جيني وهي طلبة حب)، وأدمون حداد، وحسن مراد، وطارق تميم، ومشهد فقير جداً، ويتيم للمبدع بديع أبو شقرا، وآخرين…
يعتمد هذا العمل الذي قالوا عنه “الفيلم السينمائي” على تقديم الدعارة بكل أنواعها المتاحة، وعالم الميسر، وشتم اللبنانيين، وتعرية متعمدة للبيئة الجنوبية، ومن المستحيل أن تخرج من الصالة دون أن تسأل عن إجازة هكذا عمل، والسماح له بالعرض من قبل الأمن العام اللبناني؟!
المفروض أننا نتعامل مع فيلم سينمائي وليس مع تلفزيون الواقع الوقح، وما جاء من تسليط الضوء على عالم القمار والجريمة التي تحاك من جراء الميسر، وتفكك الأسرة اللبنانية، وانحلال الفرد فيها، واعتبار نساء لبنان تاجرات متعة ولذة أو يتمتعن بالعنصرية، وعدم وجود الرحمة في الشارع اللبناني، وتصوير المحجبات المسلمات الجنوبيات ساذجات لا مشاكل لديهن غير شراء الملابس وإرضاء الزوج المزاجي المزواج لم يكن مجرد صدفة!!
وأيضا تعمد تسمية وتصوير رجل جنوبي أساسي في لعبة الميسر، ويستسهل قتل الآخرين، ويشرب الخمر ومزاجي حتى النخاع، ولا يحترم المجتمع والناس، ويضع في معصمه شريطا خضراء يحصل عليها من مقام الإمام الحسين والست زينب دليل خطير ووقح ومباشر على مذهبيته، ويسعى مع حارسه الشخصي علي – يتردد هذا الاسم عشرات المرات – للثأر من قاتل شقيقه، ولا يعرف عنه إلا أن لدى القاتل بيضا واحدة!!
التعميم
العمل يعمم الدعارة، الرذيلة، الجريمة، والشتائم، والقذارة، وكل ما هو وسخ عن اللبناني، وكمية الدعارة الكلامية المتميزة في هذا العمل من المستحيل أن تجدها في فيلم غربي، لذلك، وبعيداً عن القراءة النقدية الفنية نستطيع وبكل تجرد أن نقول أن عمل البيضات أو ورقة بيضا هو فاتحة لأفلام الدعارة المسموح بعرضها في المستقبل من قبل رقابة الأمن العام اللبناني، وهذا لا يعني أنه لا يوجد في بلادنا هذه النوعية من البشر لكنها ليست معممة، وهي مرفوضة، وأعتقد موافقة الرقيب جاءت مهرباً من الحملات الإعلامية التي ستشن عليه بحجج الحرية ولجم الإبداع، ولكن الحرية قيد ومسؤولية، وحينما تكون من غير ضوابط أخلاقية وفكرية، تصبح وقاحة ورذيلة وقلة أدب!
بما جاء عليه هذا العمل سيجد الصدى الكبير، وسيشار إليه من باب الحرية في المهرجانات الغربية وبعض مهرجانات الدول العربية الأفريقية لسبب بسيط، أي أن هذا العمل يعري المجتمع اللبناني بموافقة الرقيب اللبناني، ويشير إلى الخلل الذي بدأ يعاني منه مجتمع المقاومة وأهل الجنوب بالذات، وحينما نقول الجنوب يعني المقاومة عند الإعلام الغربي وأعداء الصراع ضد إسرائيل، بينما في الداخل قد نتعامل مع الموضوع كمحافظة لبنانية فيها الجيد والخسيس، ولاعب الميسر والطيب والمؤمن، والقاتل والمجرب والحشاش والمهذب والمحافظ والمثقف والمتعلم!!
أهم ما جاء في هذا العمل، وينعكس مباشرة على المتلقي، ويختزل بما يلي:
– المجتمع اللبناني من غير رحمة ولا مشاعر إنسانية “يكفي مشهد هروب الفتاة في شوارع العاصمة، وطريقة تعامل المارة معها”!
– الرجل اللبناني حيث تم ذكره عشرات المرات هو رجل عنيف، حقير، لا كرامة ولا نخوة لديه، فقط يعيش من أجل المال.
– بدأت تظهر على مجتمع المقاومة والجنوبي مظاهر الغنى الفاحش، ومقامر، ويعشق التجارة والمحرمات رغم التزامه وتعصبه الديني!
– النساء المحجبات ساذجات.
– الرجل المسيحي مخصي، غير مكتمل الرجولة، ولا كرامة إنسانية لديه!
– الحدود مع إسرائيل مفتوحة، يحرسها شباب فقراء الملبس والحركة والتطلع!
– سهولة تسويق لعب القمار، ومع المستقبل وتكرار هكذا فكرة يصبح سلوكاً!
– هدم المحرمات، والأخلاق، والجسد، والمرأة!
الأسباب
أسباب صناعة هكذا نوعية من الأعمال باعتقادي يكمن في سهولة توصيل الرسائل عبر الفن، نعم للفن سطوته على الجميع، وهو والإعلام يصنعا السم إما قاتل أو مقتول، ومن أهم الأسباب:
– حينما يتم الهروب إلى الدعارة في الفن، يعني أننا نعاني من عقم بارز في الإبداع الفني طرحاً، ومنهجاً ورؤية!
– هذه النوعية دليل على اننا اليوم نعيش مشكلة ذوق عام عند من يتعامل مع الفن وهنا الخطورة!
– تنافس في تقديم الفساد بمعالجة الفساد بحجة الحرية لجذب الجمهور يخلق لغطاً يلفت النظر والشهرة!
– تقديم ما يرضي المهرجانات الغربية ومشاريعها السياسية في مجتمعاتنا قبل بلادنا، لذلك ستحصد هكذا التجارب الجوائز ليس للقيمة الفنية، بل لجرأة تصوير حالة رذيلة في مجتمع شرقي تصبح الحالة عامة!
– تعمد عدم الاهتمام بالخصوصية، ونقل حقيقة صغيرة كمرض عام من أجل فتنة كبيرة!
– نقل حدث خاص كحقيقة عامة شاملة دون دراسة وتعمق جريمة اجتماعية تشبه جرائم داعش، لأن نقل الحقيقة كما هي جهل بالحقيقة وبالعمل الإعلامي والفني!
– المجاهرة بالحقيقة غير المدروسة تصنع فتنة، ومن ثم تقاتل مهما كانت أسس المجتمع متينة ومترابطة فالفن والإعلام هما الحرب الناعمة!
– الغرب يجاهر بما يسوقه لنا عن قصد وعلناً، ونحن نقلده إما غباء، أو عباطه، وإما شركاء، وإما من أجل الشهرة السريعة!
– تعميم السفاهة والانحلال والغرائز والعنف هو انهيار في أخلاقية دور الفن من قبل من يقدم سلعته وليس من قبل بعض الحالات المرضية في مجتمعاتنا!
العمل فنيا
من الناحية الفنية نستطيع القول أننا لا نستطيع اعتباره فيلماً سينمائياً رغم أنه صور بكاميرات سينمائية، لعدة أسباب أولها غياب هوية نوعية العمل، وافتقاره للغة السينما من حيث النص والإخراج الذي حصر جهوده في تصوير بعض الوجوه على حساب الحدث والمشهد بشكل عام دون أن يلتقط تداعيات وإيماءات الممثلين، وليس كل ما يصور يعتبر من الأفلام المعاصرة، هنا يبدأ المشهد ولا ينتهي، ولا غاية لديه أو فعل يشير إلى حدث وردة فعل لمشهد مقبل!
لا رؤية إخراجية تتحكم بما عرض، ولا ندري ما الإضافة التي قدمها المخرج الفرنسي، بل فوضى في تجميع مجموعة حواديت أو حكايات قد تصلح لمشروع فيلم، ما شاهدناه هو تجريب ليس أكثر، ولا هدف فني جامع ينطلق منه هذا التجريب سوى القباحة والشتائم والمشاهد النافرة!
مشاهد مجانية وماجنة حاول المخرج من خلالها أن يصنع فيلماً من نوعية أفلام البورنو ولم ينجح، وربما حاول صناعة فيلماً يعتمد على الرعب ولكنه فشل، وبحث عن حبكة درامية روائية عن قصة حقيقية وهي قصة المرأة المغتصبة بحضور زوجها وصديقه ومشاهدة طفلها فأدخلها بمتاهات قصص هجينة وغير منظمة في مشاهد عشوائية ومركبة بأسلوب لا يصلح لسينما اليوم، فتشتت وتاه قبل المشاهد، خاصة أن العمل يصر أن يغيب مكان جريمة الاغتصاب المعروفة، ويتعمد أن يشير إلى منطقة عباس الجنوبي أكثر من مرة!!
اعتمد العمل على مشاهد مفبركة، ومشغولة بنص حواري يخيم عليه الارتجال أو الكتابة في لحضته، مما فرض علينا حالات تجريبية في كل مشهد، لذلك لو قمنا بتفكيك مشاهد العمل منذ البداية “مشهد المجامعة غير المبرر” وما تلاه ووضعناها عكس ما جاءت عليه باستثناء ربع الساعة الأخيرة من العمل حيث الإيقاع انتقل من البطيء إلى السريع من أصل 145 دقيقة لن يختلف على المتلقي أي شيء!
ما شاهدناه ليس سينما، ولا حتى حلقة تلفزيونية، هذه رسائل متعمدة، ومقصودة غايتها زيادة انحلال ما نحن عليه، وأمل أن أكون على خطأ!
يفتقد النص إلى لغة الحوار وأبعاده الدرامية، ولا يوجد سبك قصصي وحواري للحشو الكلامي الخادش، أما البطء منذ البداية بحجة تمهيد لأحداث مفقودة أعاق العمل، وبرأيي مشهد هروب جيني “من قام بالدور وفق وهو الأفضل” من سيارة إدمون حداد “لعب دوره بتقنية عالية” وما تلاه من مشاهد كانت حالة سينمائية باستثناء انطلاق الصاروخ والباقي فبركات متعمدة ليس أكثر!
مشهد الحدود الجنوبية عشوائياً بين الألغام، والهروب من وجود جيش إسرائيلي لتمرير الفيلم في المهرجانات الخارجية، وعدم التلميح لكون الشباب من المقاومة أو من الجيش اللبناني لخلق حجة الهروب من المسؤولية قمة في الضحك، وكلنا يعلم من يحرس حدودنا الجنوبية دون أن نراهم وخاصة في خط المواجهة!
لا يوجد قيم في العرض، ومن حق المخرج المنتج الكاتب أن لا يعتبر ذلك من مسؤوليته لأنه وببساطة فيما قدم شريك و ادات لزيادة تخريب ما تبقى علم أو لم يعلم، وتحديداً في الرسائل الخطيرة التي قدمها العمل!
باختصار لا بد من أن يتحمل من سمح لهذا العمل بالعرض بالمساءلة، وعودة الرقيب ضرورة، ليس الرقيب الأمني والبوليسي بل الرقابة الذاتية المسؤولة والبعيدة عن نشر مفاهيم هدامة ومبالغ فيها في أمة تتصارع، والغرب يتكالب على خيرها، وتناحر الطوائف جاهز للموت الرخيص مع إن الفيلم وحد الطوائف اللبنانية في أعمال الشر والرذيلة واللفظ القبيح!