رصد ومتابعة: هشام فارس
منذ أيام إنتشرت عبر مواقع التواصل الإجتماعي صورة مؤلمة لحاجة مُسنة تأخذ من القمامة قوتها اليومي.
هي الحاجة البيروتية التي خانتها الأيام ووضعها القدر على محطات النفايات كي تأخذ نصيبها يومياً من بقايا طعام الأغنياء أو متوسطي الحال غذاءا لها.
الشعور والحالة أكبر من أن تكتبُ حروفاً أو تُلقي عتاباً في بلد كان يجب على الحاجة جاهدة وأمثالها أن يكونوا اليوم يتقاضون حقهم من ضمان الشيخوخة بدلا من تفتيشها على قوتها اليومي بين القمامة والنفايات. فهي التي إن مرضت من سوء التغذية أو إن ماتت جوعاً لن يلتفت لها أحد.
الصورة إستفزت العديد من اللبنانيين، منهم من إكتفى بنشر التعليقات على مواقع التواصل، ومنهم من لم يُحرك ساكناً، ومنهم من لم يحتمل مأساة المشهد فقرر التفتيش عنها بجميع السُبُل كي يصل لها ويقوم بالواجب.
يقول وجيه دامرجي، صاحب مقهى في الحمرا، أننا كنا نسمع بفقراء قوتهم اليومي طعام مرمي بين النفايات، كنا نسمع بأشخاص يموتون جوعاً لكن لم نكن نُصدق أن هذه الأمور موجودة فعلا في الحقيقة.
يقول وجيه: “إستمريت بالتفتيش عنها حتى وصلت لعنوان سكنها. لا أستطيع وصف المكان التي تعيش به، ليست هي فقط بل وكثرٌ مثلها.”
يُضيف: “أعلنت عن إستضافة الحاجة جاهدة في قهوتي ولم أضعها في موقف محرج أبدا، لكن اللبيب من الإشارةِ يفهمُ، فتبرع بعض الجيران منهم بالطعام ومنهم بأشياء أخرى أو بمبلغ من المال. كما قدّم موظفي القهوة عندي والبالغ عددهم تسعة، يوميتهم كاملة مع الـ Tips والعاملة الأثيوبية قدمت يومين أي ما يُعادل 40$. المجموع العام سمح لنا بدفع أجرة منزلها 6 شهور مسبقة وقدمنا لها دعوة مفتوحة لزيارة القهوة في أي ساعة تشاء وإحتساء ما يحلو لها مجاناً.”
يُكمل وجيه: “من حق الجائع أن يأكل، قبل أن يدفعوا ملايين الدولارات على زينة رمضان عليهم أن يُطعموا الفقراء. وأكثر ما استفزني هو بعد إنتشار الصورة بين اللبنانيين، أرسل الشيخ سعد الحريري ممثلا عنه لمساعدتها فكانت المساعدة 100$ أي أقل من ما قدمه عامل فقير يعمل في قهوة، وبعد تفاعل القصة على مواقع التواصل الإجتماعي وصل الخبر للشيخ سعد، فاتصل بي بعد يومين صاحب المنزل التي تعيش فيه جاهدة وأخبرني بأن الشيخ سعد تكفّل بجاهدة مدى الحياة.”
يختم وجيه بقوله: “الحمدالله دلّينا على الخير، وأنقذنا هذه الإمرأة من حياة كانت أكثر من مأساوية.”
يبقى أن نختم دائما مقالاتنا وأحاديثنا بأسئلة، فنحن الذين نعيش في بلاد وضعتنا في خانة الإستفهام دائما، لنسأل أنفسنا بعد هذه القصة إلى أي متى سنستمر في مشاهدة لبنانيين متسكعين تحت خط الفقر، في دولة تتمركز ثروتها بين الأقليات لتحرُم الأكثرية من لقمة العيش؟ فيعيش الشعبُ في قلة أمان وقلة طعام، وقلةٍ في كُل شيء إلا في الحطّ من كرامته كمواطن وحرمه من العيش الكريم.