ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
في خُلاصةِ الأحداثِ التي دارت خلال الأسبوع الماضي وما تمخضَ عنها، ثمة حقيقة ثابتة بل راسخة مفادها: “سعد الحريري لم يعد في السلطة!”.
وخلف هذه المسودة، “ضريبة ثقيلة” على رئيسِ حكومة تصريف الأعمال تسديد ثمنها بالكامل. أولها، فقدانه الحاضنة “الملوكية” التي تذرّ عليه الخدمات المجرية من السلطة، وثانيها تحدّي استعادته الثقة، ليس من شارعهِ فحسب بل من الدول الاقليمية الراعية له، التي يبدو أنّه خسرها في الامتار الاخيرة.
صحيحٌ، أنّ الخروجَ من “واحةِ السلطة” تعني جفاف الخدمات، لكن الصحيح أكثر، أنّ الخروجَ من كنفِ السلطة قد يعني إلقاء الاهتمام على عناصرٍ أخرى، مترهّلة، تحتاج إلى إعادة تحفيزٍ مثل تيار المستقبل، الذي تحوَّل خلال الفترة الماضية إلى عبءٍ على الحريري كنتيجةٍ طبيعيّةٍ للتحولات وانكفاء الاهتمام من قبل رأسِ هرم لمصلحة الانشغال بأمورٍ أخرى.
في الواقعِ، أنّ ما جرى في شوارع العاصمة تحديدًا ما بعد مرحلة تسمية الوزير السابق حسان دياب رئيسًا مكلفًا يمكن تفسيره، على أنّه نوعٌ من أنواعِ “غضبِ الجمهور” على خروجِ سعد الحريري من السلطة لا الغضب على تسمية دياب، وفي مكانٍ ما يُسجّل هذا الاعتراض الواسع عليه لكونه قَبِلَ بمنطقِ الخروجِ على نحو الذي أُخرِجَ به. وبالارتكاز إلى قاعدة “جبران مقابل سعد”، يعتبر الشارع، أنّ الأخير خسر وفي النهاية هو الذي أُخرِجَ وليس أحدًا سواه.
صحيحٌ، أنّ غضبَ الشارعِ أطلقَ الهتافات بعودة سعد الحريري “وحده لا شريك له” إلى رأسِ السلطة التنفيذية مستخدمًا سلاح “الميثاقية”، لا بل أنّ البعضَ بالغَ حين اعتقد، أنّ هناك إحتمالًا ضئيلًا في إسقاطِ حسان دياب لتعبيد الطريق مجددًا أمام سعد الحريري، لكن الصحيح أيضًا، أنّ هذا الشارع أَسقَطَ غضبه على زعيمهِ تحديدًا لأنه امتثلَ.
أكثر من ذلك، هناك إعتقادٌ واسعٌ يفيد، بأنّ في تيار المستقبل من استخدم الشارع وحرّك تظاهرات لايصال رسالةٍ إلى “الشيخ سعد” مفادها “كفى”، وهذه الـ”كفى”، يتفرَّع منها أكثر من “كفى”… كفى تنازلات وكفى تهاوٍ وكفى مستشارين وكفى شركات وتحالفات مضرّة، وإلّا، كيف يمكن تفسير رفض الشارع الانصياع الى نداءات زعيمه المتكرِّرَة للخروجِ من الشارعِ؟
وفي ليالِ الغضب، يمكن العثور بين الرسائل المُتطايرة على أجواءٍ توحي برفض قبول مشاركة الحريري في سلطة قذفها هو خارج معادلته، والمعنى، أنّه وفي زمنِ “الحصاد” بات ممنوعًا على سعد الحريري القبول بمشاركة غيره في الحكم، حتى ولو كان ذلك عبر تسمية أحد الذين يرتدون ربطة “تكنوقراط”، أي أنّ القاعدة التي نَطَقَ بها الشارع كانت على وزن “الحريري أو لا أحد”.
في الحقيقة، إنّ مشهدَ الشارع ولو كان مؤذيًا لشخصِ سعد الحريري بالذات، لكن هناك من يعتقد بأنّه كان مفيدًا وضروريًا وأتى في لحظة كانت التخلي يطبع صفات التيار الذي كان أقرب إلى الترهل، وبالتالي يمكن تجييره ورفده إلى شرايين تيار المستقبل وإتخاذه كعنصر قوة يمكن أن يفيد العصب الذي اثبت خلال المرحلة الماضية أنّه “ليّن”.
صحيحٌ، أنّ الرئيس الحريري كان يفكِّر خلال الفترة التي خلت في كيفية تحفيز أدوار “المستقبل” ونقله من حالة “التيار المناصر” إلى الحالة الحزبية ذات الجذور الثابتة التي تحتكم إلى مؤسسات واضحة المعالم وفيها شخصية القائد اساسية ولا يُعلى عليها، لكن ما منعه من ذلك هي الظروف التي أحاطت بطبيعة وظيفته كرئيسٍ للحكومة.
وقتذاك، أوكلَ المهمة إلى الأمانة العامة لتيار المستقبل تحت إشراف إبن عمّته أحمد الحريري الذي إفتتحَ ورشة داخلية عريضة قامت على ثقافةِ تغيير المفاهيم في تيار المستقبل ونقله رويدًا رويدًا من حالة التيار إلى حالة الحزب، لكن المشكلة التي منعت “أحمد” من إستكمال الخطوة لا تنحصر في تأثير “تركيبة المصالح” داخل التيار بل في ضيق الأفق.
خلال تلك الفترة، سادَ حديثٌ عن وجودِ قرارٍ بإحداثِ تغييرٍ شاملٍ في تيار المستقبل ينقله من حالةٍ إلى أخرى، وما زادَ من قيمةِ ذلك إرتفاع الحديثِ عن احتمالِ مغادرة سعد الحريري السراي الحكوميّة.
الآن، هناك من يعتبر، أنّ خروجَ سعد الحريري من السرايا قد يذر الفوائد على صعيدِ هيكلية تيار المستقبل، وفي هذه الحالة من المُفترَض، أن ينكبَّ الرئيس الحريري على تحصين وضعه الداخلي في التيار واستئناف الورشة الداخلية، وبحكم المنطق، سيكون للحريري الوقت الكافي في زيادة الاهتمام بتيار المستقبل.
في الواقعِ، إنّ هذه الاجواء أبلغت إلى هيكلية التيار التي باتت على علمٍ بها، وهي في ضوءِ ذلك، تتحضَّر لاعادة اطلاق الورشة الشاملة على قاعدة الرهان على “فترة الراحة” وتحويل الخروج من السرايا إلى فرصةٍ وتنقلها الى فترة عمل تعوِّض ما فات.
على قائمة الاعمال ما هو أكثر من تصحيحِ مسارٍ داخل تيار المستقبل ويصبو احيانًا إلى تصحيحِ مسار على صعيدِ درب الشيخ سعد بعد ما عناه إن على مستوى المستشارين أو فريق العمل الذي يصبح إحتمال تغييره مرتفع في ضوء “الورشة الداخلية” التي سيستهلّها سعد الحريري ويأمل في نهايتها أن تقدّمَ نسخة جديدة ليس من تيار المستقبل بل من سعد الحريري.