حسين المولى
إن تاريخنا اللبناني في حوالي خمسة قرون متشابه الى حد كبير، فمن صراع بين قيسية ويمنية، إلى صراع درزي ومسيحي ، إلى صراع مسيحي مسلم، إلى صراع مذهبي، الى بلدٍ منهارٍ إقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ومدنياً، تحكمه المافيات الطائفية، بإقطاع الحزب الواحد الحاكم بأمر الله، الذي قبل الولاية على أبناء طائفته _على مضض _فهو لا يريد منصباً لا سمح الله، بل ليحافظ على حقوق مغتصبة من قبل الشريك في الوطن. يستردها ليولي عليها إبنه وأخوه وخالته وحفيده وحفيدته وعمته وصهره وزوجته، فهي مناصب الطائفة في دولة الصراع الكبير، في وطن ما فيه مواطن، بل تابع مقهور ومذلول للقمة العيش المرتهنة لزعيم الطائفة، وكأن حقوق الطوائف تتحقق بهذه الطريقة وليس بدولة العدالة الإجتماعية والإنماء المتوازن ، وليس بالمواطنة مع ما يستلزمها من حقوق الإنسان المواطن.
ولعلّ أبشع مظاهر الإستهزاء والإستغباء لكل الشعب اللبناني، ما يحصل اليوم فيما يسمى “الديمقراطية التوافقية”، هذه الصيغة الفريدة العجيبة في الحكم، التي تصِّر على جمع أحزاب لبنان في حكومة واحدة مرجوة،
بعد الإتفاق على الحصص في الوزارات، وعلى الحصص في قالب الجبن الحكومي، وعلى الحصص في الإدارات العامة، وفي المال العام، على حصص مجالسهم وصناديقهم.
وستنال بعدها الحكومة الثقة في مجلس النواب الممثل للأحزاب، لن تكون هناك معارضة للحكم الرشيد، فالكل مشارك ومتورط حتى النخاع في السلطة وفي مغريات السلطة، ولن يسأل أحدٌ أحداً عن مناقصات الوزارات، وعن مال عام مهدور، وتوظيف المقربين، ولن يسأل أحدٌ عن الفساد في الإدارات العامة، ولن يسأل أحدٌ عن الهدر وعن خدمات الناس. عن الهدر في الكهرباء، عن مافيا المولدات، وسماسرة البواخر، عن النفايات وردم البحر وتلويث المياه والجو، عن السرطانات، عن أدوية سرطان فاسدة مسروقة، عن مافيا الدواء وعن أسعاره الخيالية، عن الإثراء غير المشروع، عن كسارات السلطة ومرامل السلطة ومحطات بنزين السلطة، عن ملفات إنمائية عالقة بحجة التوازن، عن المستشفيات الحكومية والمدارس الحكومية، عن موظفي سكك الحديد، عن رواتب خيالية لمحسوبين على السلطة، عن قضاء إداري ومدني عادل، عن قسم أن يد السارق ستقطع، عن إبراء مستحيل وعن إفتراء فيه. عن حد أدنى من الأجور لا يساوي إيجار منزل، عن طرقات تغرق عند أي تساقط للمطر، عن جور تملئ الشوارع تنزع قلب اللبناني كلما مر بسيارته المقسطة عليها،عن عجقة السير التي تجعل اللبناني موتوراً يقضي ثلث عمره فيها، عن أشياء كثيرة تدمي القلب والعين.
بالله عليك أيها اللبناني الفيلسوف المنظر في الشؤون الدولية والإقليمية، متى تستفيق من غيبوبة الطائفية اللعينة، متى تعي أننا في نظرهم رعايا ولسنا مواطنين، متى تعي حقيقتهم، متى تعي أنهم يتآمرون علينا بالديمقراطية الكاذبة الناهبة، متى تعي أن الحكم يحتاج لرقابة ولمعارضة لتقِّومه، وأن الإستماتة لحكومة توافقية من الجميع، هو التفاف على حقوقك واستمرار في نهج أوصلنا الى هذا الإنهيار.
أجزم أننا لن نعِ حتى نعرف طريق الهجرة إلى الخارج ونتعرف على إنسانية السلطة هناك، نتعرف على الفرق بين الإنسان المواطن، والتابع.
في فمي والحمد لله، لكي لا أستدعى غداً لتجاوز حد الإستغباء فأحاكم وأجلد.