“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
كان واضحًا خلال الصدامات التي دارت في وسط بيروت، أنّ “الثو رة” بالمفهوم الذي نعيشه تنزلق صوب إعتماد لغةٍ أكثر عن فًا في ظلِّ انكفاء القيادة السلميّة المُستترَة التي فشلت في “أدلجة الحَراك” وبدء ظهور قيادة أشدّ تطرّ فًا تتبنّى مفاهيم “العنفِ الثو ري”. وفي الترجمات العملانيّة، برزَ إستقدامُ “عناصرٍ مشا غبةٍ” مُجهزَّة بالعتا دِ الكامل ودسَّها في صفوف المتظاهرين.
طبعًا، أمرٌ من هذا القبيل لديه وظيفة سياسيّة وليس عبثيًا، لذا فإنّ إنقلا بَ المشهدِ بدأ في النصف الثاني من الأسبوع المُنصَرِم طبَعَ اسئلةً في غاية الدقة، إن لجهة الهويّة السياسيّة والمصدر الجغرافي لغالبيّة العناصر المُتَّهَمة بـ”الاند ساس” والشغب أو في كيفيّة تحرّك هؤلاء بحريّةٍ تامّة من نقاط الإنطلاق وصولًا إلى بيروت وعلى مراحلٍ.
تقاطعَ ذلك مع صدورِ أكثر من تقريرٍ عن أجهزةٍ أ منيّةٍ لفَّ بتحذيراتٍ من أنّ البلادَ مقبلةٌ على موجةٍ جديدةٍ من “عنفٍ قد يكون مجبولاً بالد ماء”، مع العلم، أنّ تحذيرات مماثلة أُطلقَت في أعقاب بداية حَراك 17 تشرين، مُلمِّحةً إلى وجود من يستدعي “الفوضى على ظهر دماءِ المتظاهرين”. لذا كان يفترض أن تتعاظمَ الاجراءات وأن لا تستقرّ على تعزيزاتٍ أمنيّةٍ ضمن حدودِ الدائرة المُحيطة بالمنطقة المنوي مهاجمتها.
تبعًا لذلك، ثمّة من بدأ التنقيب عن أجوبةٍ محتملةٍ لاسئلةٍ يمتلكها في الأصل حول من لديه مصلحة في إستدعاءِ هذه “النُخَب الشابّة” ودسّها في الحَراك، ومن يستفيد من خدماتها؟ ومن يدعمها في الداخل ويجهِّزها ويموِّلها؟ ولصالح أيّ مشروعٍ تعمل؟ وهل حقًا، أنّ لبنان إقتربَ من الدخول في فترة الشتاء القارس تحت مسميّاتٍ أمنيّةٍ عدّة ما يُنذر بعواقبٍ وخيمةٍ؟
ما رشح من مواقفٍ مستجدةٍ حول الدعوة إلى إنتخاباتٍ مُبكرَة والتي يتبنّاها أو يقف خلفها الفريق السياسي المُتَمثِّل بـ”14 آذار” الذي يواكب الحَراك يؤشر إلى ذلك.
في الحقيقةِ، ثمّة إعتقادٌ يخيِّم على “فئةٍ أمنيّةٍ” حول أنّ مشهدَ العنف الذي رأيناه سيدوم في بيروت والمرجَّح، أنّه وخلال الفترة المقبلة، أي في المدى المنظور، سيجري التحوّل إلى “لغةٍ سميكةٍ” أكثر تحوي مفردات “العنفِ الثو ري” المشرَّعة أمام الدخول في “الفوضى المُقلقة” حتى تأتي في خدمة نمو الدعوات إلى الاستقالة الشاملة لنواب 14 آذار ومحاولة فرضِ الاستقالة على رئيس الجمهورية في الشارعِ، وهو أمرٌ يدفع بإتجاه مساءلة عددٍ من السياسيين الذين أوحوا إلى وجود مخطّطٍ لـ”استدراجِ فتنةٍ” كما بدا من كلامِ النائب نهاد المشنوق.
وفي جوٍّ إقليميٍّ مُماثلٍ ينطلق من طبيعةِ قرار واشنطن “تقطيع أوصال إيران في المنطقة وعلى رأسهم حزب الله”، يمكن إسقاط فرضيّاتٍ عدّة لتفسير أسباب تلك الدعوات، هل أنّ لبنان يتَّجِه للخوضِ في “ورشة تطويق حز ب ا لله” تمهيدًا للبدء بمحاولة عزله وتقليم اظافره إن لم يكن تقطيعها؟ هل أنّ تأخيرَ تشكيل الحكومة ذات جذورٍ تتَّصل بالخشية من ما هو آتٍ؟
من الواضحِ، أنّ مسألة “الاستقالات الجماعية” لا تغدو فكرة قابلة للنقاش بل هي سلوكٌ سياسيٌّ يجري إعتماده كتوجّهٍ وخطابٍ مُقبلٍ، وأنّ الآلية الدستورية الراعية له بدأ بحثها بدليل استمزاجِ المعاون السياسي لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، غطاس خوري، آراء الحلفاءِ في موضوعِ تقديم استقالاتٍ جماعيّة من المجلس النيابي بعد تشكيل الحكومة وقبل نيلها الثقة.
طبعًا، العبور إلى خطوةٍ مماثلةٍ لا يأتي من خلال تأمين توافقٍ سياسيٍّ على حلِّ “مجلس 2018” لكون غالبيته تتموضع ضمن الفريق المقابل الذي سيعتبر إدخال فكرةٍ مُشابهةٍ لاعبًا على المضمار السياسي موجَّهة ضّده وسيواجه احتمالاتها، بل إنطلاقًا من الدفعِ صوب تحقيق ذلك بالقوّةِ من خلال إفقاد المجلس النيابي شرعيّته تؤدي الغرض في تسريع الذهاب إلى انتخاباتٍ مُبكرة، وفي الكلام السياسي العميق هناك من يسوّق لضرورة خوضها تحت إشراف الأمم المتحدة!
تبعًا لذلك، ما يجري في الشارعِ وتحت الاسقفِ، فيه شيء من الصورة التي تُرسَم للبنان وتحاكي “التغييرات السريعة والعميقة التي تتوقع الولايات المتحدة حدوثها فيه، وطبعًا، يؤسِّس لنباتِ ظنون حول أنّ الحَراكَ قد “نضج وإستوى” ودخلَ مرحلة القطاف وهو مُقبلٌ على “منعطفٍ خطيرٍ” سيحوّله الى أداةٍ لتحقيق هذه الوظيفة.
السؤالُ اليوم: ماذا يعني تبنّي جميع مكوّنات 14 آذار الأساسية، أي تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب اللبنانية والوزير السّابق أشرف ريفي، لغة موحدة تتجسَّد في الدعوة إلى إنتخاباتٍ نيابيّةٍ مُبكرة والتوجّه نحو إستقالةٍ جماعيّةٍ؟ وكيف يمكن تفسير تفعيلها فجأة لتصبح لغة سياسيّة مَحكيّة أقرب إلى “مشاريع الأهداف”؟
في الأصلِ، إنّ مطلبَ الانتخابات المُبكرة هو “منتجٌ آذاريٌّ” صافٍ قبل أن يتبنّاه الحَراك أو ينقل إليه، بدأ ترداده في البدايةِ كتبريرٍ لنقضِ الأكثرية النيابية التي نجح في تأمينها حزب الله وفريقه السياسي الحليف والايحاء بأنّها موضوعة في تصرّف إيران، وكانت الشمّاعة التي علقت عليها أسباب الدعوة تأتي من “الخللِ الفاضحِ” في القانون الإنتخابي.
تبعًا لذلك، يجد هذا الفريق، أنّ فرصَ تأمين الإنقلاب في ظلِّ سريان مفاعيل الحَراكِ مرتفعةٌ وقد لا تتكرَّر، لذا شرَّعَ في استغلاله للتأسيس إلى محاولةٍ من أجل تغيير المزاجِ السياسي العام وقلب الطاولة على مجلس النواب.
وفي اعتقادهم، أنّ تأثيرات إنقلاب المفاهيم في الشارعِ كنتيجةٍ للوضعِ الراهن سترتد سلبًا على الفريق الذي استفادَ من القانون الانتخابي الحالي، وبهذا المعنى، لن يذهب إلى فوزٍ كاسحٍ بل على العكس تمامًا، ستجذب الانتخابات مشاركة أوسع من الفئات الغاضبة وتلك التي قاطعت سابقاً وسيجري تعديلاً على مزاج من شارك ما يمكن ترجمته في الصناديقِ على شكل اصواتٍ ستحمل معها نتائج عكسيّة تعطي مرشحي الحَراك المُصَنَّفين على درجاتِ القرب إلى 14 آذار من غيرهم الافضليّة.
وفقًا لذلك، فإنّ هذا السيناريو سيؤسِّس في حال تنفيذه، لـ “كسر احتكار حزب الله للمشهدِ الداخلي، وإعادة فرز حضور القوى إن على صعيدِ 8 آذار وعلى ضفةِ المسارَيْن السني والمسيحي، وسيعطي دفعًا بإتجاه دعوة الرئيس ميشال عون إلى الاستقالة قبل عامَيْن على إنقضاء مهمّته، في توجهٍ أشبه إلى ذلك الذي افتُعلَ خلال عهد العماد إميل لحود، وتحميل “عهد عون” أسباب الانهيار. وهنا تقع المسؤولية على القوى السياسيّة الحليفة له التي لم تستطِع ترجمة خطابه إلى افعالٍ على مدى أكثر من 3 اعوامٍ بل مَضَت في خوضِ الاشتباكات بين بعضها”.
كما سيؤسّس لـ”إستدعاء أجواء مرحلة 2005 نفسها، ما يتيح إعادة طرح سلا ح حز ب ا لله على بساط البحث والرهان على القرار الظني للمحكمة الدولية”.