رصد ومتابعة- خاص شبكة تحقيقات الإعلامية
يزن أطلي
سنوات قاسية من الحرب والخراب مرّت بها سوريا، ومعها تعرضت مختلف المحافظات لهزاتٍ أمنية وارتدادات، ومن ضمن تلك المحافظات “حلب” التي شهدت أشد المعارك وأكثرها ضراوة وقساوة.
سنوات قاسية وصعبة، وقيس قرر عمداً عدم ترك حلب، والبحث وسط شارعهم وشوارعها عن صديقه محمد، الذي فقده فجأة وانقطعت اخباره عنه، فيما هاتفه أصبح مقفلاً بلا رد، وقيس لا يريد تصديق أن محمد قد اصابه شيء، خاصة بعد سنواتٍ طويلةٍ من انقطاعِ اخباره، وهو يعيش على أمل أن يراه يوماً واقفاً أمامه، يناديه كي يذهبا معاً للعب مباراة كرة قدم أو تناول نرجيلة، تماماً كما كانا قبل لعنة الحرب وويلاتها.
قيس الذي يبحث يومياً على الشبكة العنكبوتية عن صديقه، علّه يجده، التقته عدسة تحقيقات، حيث صرّح في حديث خاص، أن البعض قد يعتبره مجنوناً أو مبالغاً في انتظاره لصديقه محمد، خاصة وأن هناك الآلاف ممن قضوا في هذه الحرب ولا تُعرف هوياتهم، لكنه يصرّ على أن محمد على قيد الحياة وسيلتقيان يوماً، وهو حارب نفسه والجميع ببقاؤه ضمن منطقته، رغم كل ما تعرض له من جوع وتوتر وارهاق، لكن عينه شاخصة صوب محمد، علّه يأتي إليه.
يتحدث قيس عن ليالي شارعهم الجميل في حلب، عن شِلَّة الحي، وسهرهم مع بعضهم، عن مجالستهم سوياً لاحتساء الشاي وأخذ نفس نرجيلة، عن أحلامهم وطموحاتهم، عن مستقبلهم، ويقول بحسرة” كلو راح، والشلة راحت”، ويضيف بحسرة أكبر “يا ريت نرجع.. يا ريت”.
لا يتقبل قيس فكرة أن صديقه محمد قد يكون اصابه أي مكروه، وهو يشعر بداخله أن هناك أخباراً سارة تنتظره، ولو اتهموه بالجنون أو المزايدة في هذا الأمر، فهدفه في الحياة اليوم الوصول الى صديقه، ليس إلا، ممازحاً إيانا لحظة وصولنا للِّقاء معه، في إحدى مستشفيات لبنان حيث أُجبر على مغادرة حلب كرهاً، بعدما ساءت في الفترة الأخيرة حالته الصحية، واصرار عائلته التي تعيش في لبنان على الإتيان به: “ليش ما جبتوا محمد معكون”، مزحة أعقبها غصَّة، فدمعة بقيت محصورة داخل العين، إلى أن احمرَّت.
ينتظر قيس لحظة تعافيه، التي يأمل ألا تطول، ليعود بعدها إلى حلب، ولنشاطه المعتاد في البحث عن صديقه محمد، بأملٍ على اللقاء، رغم سنوات مرّت، وحرب دمرت كل حجرٍ وبشر.
قيس ومحمد ومثلهم كثيرون، فرَّقتهم لعنة الحروب، تلك الأخيرة التي لطالما كانت سبباً في إعلاء شأن دول، وتعاظم نفوذها وقوتها، لكنها حجبت عنّا الحياة، وأردتنا عظاماً بلا روح، وجرَّدتنا من عواطفنا، وضربت معاني الإنسانية حتى تلاشت أبد الدهر.
فهل تنتهي هذه القِصّة بلقاءٍ بين قيس ومحمد، وأيُّ دورٍ للقدر في كل هذا؟ إنها عجائب الأيام.