كتب| د. حسين المولى
إنتصر العرب على غزة قبل أن ينتصر الغزاة الصهاينة، ولم تطلب منهم غزة عوناً لا بإسم الإنتماء العربي، ولا بإسم الدين الإسلامي، ولا بإسم الإنسانية، لكنها افترضت أنهم لن يساعدوا العدو المعتدي في سفك دمائهم وقتل أطفالهم وتدمير مدنهم.
فأما مصر العروبة فقد أغلقت معابرها منذ اليوم الأول للعدوان، وقد زادت من حراستها وإسفلتها الفاصل عن غزة، وزادت أعداد جنودها لمنع لجوء الفلسطينين إليها، ولا حتى المصابين منهم، منعت حتى مسيرات التضامن اللفظي مع الفلسطينين، إعتقلت طفلاً كان يُدخل الخبز من فتحةٍ في جدار العار المصري لأطفال غزة الجوعى، أما أزهرها الشريف فيفتي بجواز الدعاء فقط.
وقد فتحت الأردن مجالها الجوي في 8 تشرين الأول أمام المساعدات الأمريكية لإسرائيل، ولم تسمح أيضاً بتوسعة المسيرات المتضامنة مع القضية الفلسطينية، وملكها سليل الجاسوس الإسرائيلي “حسين بن طلال” وهذا موثق في المنشورات التي أفرج عنها الموساد الإسرائيلي بعد 50 عاماً، حيث تطرق بعضها الى جوانب من اللقاء الذي جمع ملك الأردن الراحل “حسين بن طلال” برئيسه وزراء اسرائيل “جولدا مائير” قبل حرب أكتوبر 1973، وقد أخبرها عن النوايا المصرية و السورية لشن تلك الحرب.
أما ممالك الخليج أبناء من صلب رجلٍ واحدٍ من قبيلة بني عذرة، تاريخ من التآمر والاقتتال والعمالة لأمريكا، نهماً لسلطة، فالامارات حليفة الكيان في القضاء على المقاومة الفلسطينية، وقد منعت فرض أي عقوبات مشتركة على إسرائيل خلال القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض في 11 تشرين الثاني 2023، بل تعد رجلها الفلسطيني “الدحلان” المقيمه فيها رئيساً لغزة.
وبعدما عجزت القوات البحرية الأميركية عن دفع صنعاء إلى التخلي عن قرارها حظر مرور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، إلى أن توقف تل أبيب عدوانها الوحشي على قطاع غزة، جاء الغوث لإسرائيل من الإمارات، التي وقّعت اتفاقاً مع العدو يتضمّن تشغيل جسر بري بين ميناءَي دبي وحيفا، بحيث تصل السفن الإسرائيلية إلى الميناء الأول، ثم تُنقل بضائعها براً إلى الثاني عبر السعودية والأردن، وبالعكس.
وتعكس هذه التطورات حجم تأثير القرار اليمني بضرب أو احتجاز السفن الإسرائيلية التي تخرق قرار الحظر على مسار التطبيع بين بعض الدول العربية، وخصوصاً الإمارات، والاحتلال الإسرائيلي، كما بدأ في مدينة المخا اليمنية، الواقعة تحت سيطرة “طارق صالح” الموالي للإمارات، استكمال الترتيبات الأخيرة لاستخدام مطار مستحدث في المدينة كقاعدة عسكرية أميركية – إسرائيلية، والذي جهّزته الإمارات قبل سنوات.
والسعودية الساعية لدور إقليمي عربي، أبعد ما يكون لممارسة أي دور لا يقبله الأمريكي، وكما أسلفنا تمر القوافل التجارية إلى إسرائيل عبر أراضيها، ودفاعاتها الجوية أسقطت الكثير من الصواريخ اليمنية المتجهة إلى الكيان الإسرائيلي.
وجامعة الدول العربية على شاكلة دولها، صماء عمياء بكماء، عن مجازر غزة.
يبقى أن نقول أخيراً أن تركيا انتصرت أيضاً مع العرب على غزة، فقد عوضت النقص الذي حصل للكيان الاسرائيلي من جراء التهديد اليمني، حيث ازدادت الصادرات التركية إلى إسرائيل منذ بداية العام إلى مستوى غير مسبوق، على ما ذكر تقرير لمجلة “إيكونوميست” الاقتصادية.
إذاً، إنتصر الجميع على غزة، وستعيد هذه الحرب رسم الإقليم، والأعوام القادمة كفيلة بإظهار هذه الصورة المرسومة أمريكيا وصهيونيا لها، وسيبقى حزب الله بتوازن ردع جديد فرضه في حربه الأخيرة على طريق القدس، المواجه الوحيد لمشروع الكيان الإسرائيلي في المنطقة.