Tahkikat News مجلة الكترونية يومية شاملة
مقالات مشابهة
رصد ومتابعة- شبكة تحقيقات الإعلامية
في تلك الحارة الفقيرة من حارات طرابلس، تقطن الأم الخمسينية مع أولادها الأربعة، تعيش تحت سقف غرفة واحدة معهم، وتراقب بخوفٍ وهدوء تساقط حبات المطر على زوايا الغرفة، وتدعوا الله ألا تتحول هذه الحبات إلى نهرٍ من المياه في الداخل، رأفة بالأطفال الأربعة وحيث أن عمر أكبرهم لا يتجاوز ال 16 سنة.
تذهب أم م. يومياً صوب محل لبيع السمك بالقرب من غرفتها، لتقوم بتنظيف يومي للأسماك مقابل مبلغ صغير تتقاضاه يومياً لإعالة أطفالها، خوفاً عليهم من الضياع والإنصياع والفقر، بعدما أخذ الله أمانة الوالد منذ حوالي السنة والنصف.
تعاني أم م. من مرض مزمن في العظام، وتتحدث بمعاناة عن عدم قدرتها على تأمين ثمنه: “صرلي شهرين بلا علبة دوا”، تقولها بحسرة وألم، لكنها تُخبِّأ الدمع في داخلها، كي لا يتأثر أطفالها، فتبقى أمامهم الأم القوية الصابرة، وهي ذهبت لمركز الشؤون في المدينة لكن دون جدوى، وملأت عشرات الإستمارات عند جمعيات محلية، لكنها بقيت دون منفعة تُذكر، ويبدو أن هذه الجمعيات أو البعض منها تقوم بتعبئة استمارات للناس الفقراء والمحتاجين وتأخذ على ظهورهم أموالاً من متبرعين داخليين وخارجيين.
تأسف أم م. لكونها لم تتمكن من تسجيل أطفالها الأربعة جميعهم في المدرسة الرسمية هذا العام، فقد تسجل أكبرهم وهو في صف التاسع أساسي (عنده امتحان رسمي السنة)، ومن هو في الصف السابع، اما اولادها الاثنان الاخرين، فهم في صفوف الخامس والرابع، عجزت عن استكمال تسجيلهم بعدما لم تتمكن من دفع تسجيل دخولهم الرمزي أصلاً، وتتابع حديثها: “حتى ابني من هو في صف التاسع لا زال ينقصه وأخيه في صف السابع بعض الكتب”.
ترفض أم م. وضع اسمها وعنوانها او أي وسيلة اتصال بها، وهي تحدثت معنا من باب “تغريغ ما بداخلها ليس إلاّ”.
أم م. واحدة من عشرات لا بل مئات وآلاف من العائلات اللبنانية المستورة من طرابلس وعكار والبقاع وصولاً للجنوب والجبل وبيروت، ذنبهم أنهم ولدوا في ظل دولة الفساد والمحسوبيات، وتحت رحمة منظمات وجمعيات تستغل الأوجاع لجمع المليارات، ليضاف هذا الاهمال لفساد الدولة واجرامها اليومي بحق الإنسان.
