رصد ومتابعة- خاص شبكة تحقيقات الإعلامية
إبتسام غنيم
ذات يوم وتحديداً في العام 1953 بعد ثورة يوليو التي تزعمها الضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، خرج صوتاً سينمائياً من مصر ونادى بكل ما أُتي من شعور ثوري وحس وطني نبيل( ليسقط الإستعمار)، وجلجل الصوت في أرجاء السينما المصرية حتى وصل لمسامع مخرج آخر لا يقل وطنية هو أحمد بدرخان فرد عليه(الله معنا).
وتبعهما آخرون كان لهم الفضل الأساسي والأول في ولادة سينما مصرية وطنية أصيلة ساهمت في رفع شأن مستوى الإنسان المصري خصوصاً والعربي عموماً فكرياً وثقافياً وإجتماعياً.
ثورة يوليو المجيدة أحدثت تغييراً وصارت الأعمال تتناول شوارع القاهرة ومرافىء الإسكندرية وبور سعيد وصحراء السويس وسيناء حيث توجد آبار البترول وهياكل أسوان والأقصر الفرعونية، فتأثرت السينما والعاملون بها إلى درجة كبيرة وجهدوا لإعلاء مستواها وشأنها بين باقي السينمات في العالم موضوعياً وتقنياً، ومما ساهم إلى حد كبير في تحقيق ذلك التسهيلات والإمكانيات المعنوية والمادية التي تأمنت لهذا الحقل بالعهد الناصري بفضل تأميم السينما خلال عامي1962 و1963، إذ وضعت الدولة تخطيطاً شاملاً أن كان من جهة الإنتاج أو العروض حيث عملت على زيادة دور السينما في الأرياف بعد أن كانت حِكراً على المدن، كما أُنشأ معهداً لتخريج السينمائيين الذين إزدهرت بفضلهم السينما العربية كما يقول الناقد السينمائي العالمي سادول في كتابه (السينما في البلدان العربية) حيث تغيرت نوعية الفيلم في فترة الخمسينات والستينات، فمثلاً بفيلم(صراع في الوادي) عام 1954 من إخراج يوسف شاهين وبطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وأول ظهور لعمر الشريف
تم تصوير العمل في الأقصر، ونلمس خلال القصة مدى المعاناة التي إتسمت بها حياة الفلاحين في زمن الملك فاروق وكيف أن النصر كان حليفهم في النهاية حيث إستعادوا حقهم في إستثمار أراضيهم وجني قوتهم منها بشكل مُنصف وعادل.
وفي معركة الشعب مع مُستعمرية يكشف لنا ذلك بوضوح في فيلم(في بيتنا رجل) عام 1961 تأليف إحسان عبد القدوس وإخراج هنري بركات وبطولة زبيدة ثروت وعمر الشريف وحسن يوسف والقصة تبدا بإندفاع الطالب الشاب إبراهيم بحماسة وطنية لقتل ضابط إنكليزي ويختباء في بيت صديقه ثم يقوم بعملية مع رفاقه الأبطال ضد المُعسكرات الإنكليزية ويدمرها بالكامل ثم يُستشهد، ونلاحظ بالفيلم مدى التعاطف الوطني والإنساني من خلال إحتضان الشعب لهؤلاء المُجاهدين.
وفي (صراع الأبطال) عام 1963 للمخرج توفيق صالح وبطولة شكري سرحان وسميرة أحمد نرى تكريس الطبيب لمهنته للصالح الوطني العام حيث يُفضل الدكتور أن يعمل في الريف المصري لإحساسه بمدى الحرمان والفقر اللذين يُعاني منهما الفلاحون هناك، ويجهد الدكتور في محاولاته لإقناع صاحب الأملاك أن يُضاعف من أجر العاملين عنده كونهم بحاجة ماسة لذلك،ثم يعمد الطبيب إلى قتل مرض الكوليرا المُتفشي بالبلدة والذي راح ضحيته عشرات الأشخاص دون أدنى إلتفاته اليهم.
ولا يُمكن أن نتغافل عن فيلم(رُد قلبي) الذي يُعد من أبرز كلاسيكيات السينما المصرية من تأليف يوسف السباعي وبطولة مريم فخر الدين وشكري سرحان الذي يلعب دو شاب من عائلة مصرية فقيرة يعمل والده عند أحد الملاكين المُستفيدين من تقربهم لبلاط الملك فاروق ويصبح هذا الشاب ضابطاً في الجيش ويحب ابنة المالك الثري الأميرة أنجي (التي لعبت دورها مريم فخر الدين) وطبعاً الكل يقف بوجه هذا الحب للفوارق الطبقية وفي النهاية يتعاون الضابط مع رفاقه على خلع الأسرة الحاكمة وإعادة الحق لأصحابه
الحقيقيين.. كما كان للمرأة دوراً فعالاً ف السينما بالعهد الناصريبعد أن منحتها الثورة حق التصويت إبتداءً من العام 1957، ففي فيلم(أنا حرة) للكاتب إحسان عبد القدوس وإخراج صلاح أبو سيف نشاهد المرأة المصرية الحقيقية التي تُشارك إلى جانب الرجل في أداء واجباتها نحو المُجتمع وشعبها ووطنها وذلك حين يعتقلها البوليس( أي للبنى عبد العزيز التي قدمت دور الصحفية) بتهمة طبع منشورات تدعو للثورة بوجه الدولة الطاغية وكانت تهمة ترفع من شأن الإنسان وعزته بالنسبة لها ولكل من يحذو حذوها.
كما قدمت السينما حينذاك أفلاماً تحمل خلفيات قومية ولها أهمية في تاريخنا مثل فيلم(واإسلاماه) الذي أظهر صد العرب لهجمات التتار على الأرض العربية وأيضاً (الناصر صلاح الدين) إنتاج اللبنانية آسيا داغر وإخراج يوسف شاهين والذي تعمد أن يضع كلمة (ناصر) بالفيلم تيمناً بالزعيم جمال عبد الناصر وتطرق العمل لأنتصارات القائد العربي الشهير على حملات الصليبيين بقيادة (ريكاردو قلب الأسد) وأظهر شاهين شيم الإنسان العربي الأصيلة حيث نرى صلاح الدين(الذي جسّد دوره احمد مظهر) مُتنكراً بثياب طبيب ويعمل على علاج خِصمه في مخدعه.
أيضاً قُدمت في تلك الفترة أعمالاً طالب رجال عبد الناصر بمنع عرضها لكن الزعيم رفض بعد ان شاهدها وأجازها مثل فيلم(شيء من الخوف) لشادية ومحمود مرسي حيث يغمز الفيلم للحاكم الظالم وإعتبر بعض الزبانية الذين خانوا عبد الناصر فيما بعد أن الجملة الشهيرة بالفيلم (زواج فؤادة من عتريس باطل) ما هي الا(حكم ناصر لمصر باطل) لكن عبد الناصر بعد مشاهدة العمل طالب بعرضه ولم يذعن لآرائهم، وبعد النكسة قدمت السينما فيلم(ثرثرة فوق النيل) لنجيب محفوظ وإعتبر البعض أن شخصية عماد حمدي الذي يدير العوامة هي شخصية عبد الناصر، لكن الزعيم رفض تلك التأيولات وأمر بعرض الفيلم ليُظهر فيه نهاية الشباب المُستهتر، كما طالب
حينها أي عقب النكسة بتقديم أعمالاً وطنية ومنها(بور سعيد) بطولة فريد شوقي وذلك عقب العدوان الثلاثي وكان من نجح الأفلام.. ومن هنا نرى أن عهد الزعيم الخالد شهد مرحلة رُقي للسينما خدمت الامة ورفعت الفن لأعلى المراتب ليقينه أي جمال عبد الناصر رحمه الله من أن الفن سلاحاً بالغ التأثير على الرأي العام وضمير العالم