المصدر: الشرق الاوسط -محمد شقير
يتوجه رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الجمعة المقبل إلى طرابلس، أي قبل يومين من موعد إجراء الانتخابات الفرعية، الأحد 14 أبريل (نيسان) الجاري لملء المقعد النيابي الذي شغر بقبول المجلس الدستوري الطعن في نيابة ديما جمالي، لإجراء مشاورات مع حلفائه في «عاصمة الشمال» ورعايته لقاءات شعبية يتوخى منها حث الطرابلسيين على المشاركة في الانتخابات من أجل رفع منسوب الاقتراع في ضوء التقديرات التي ترجّح حتى الساعة أنها متدنّية.
ويسبق توجّه الحريري إلى طرابلس لتمضية عطلة انتخابية في آخر الأسبوع، إعلان تيار «المستقبل» الداعم لجمالي حالة استنفار لن تقتصر على قيادته في شمال لبنان وإنما ستلقى دعماً من رئيسة لجنة التربية النيابية النائبة بهية الحريري التي ستزور طرابلس نهار غد (الأربعاء)، على أن تستتبعها زيارة مماثلة لرئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، الخميس المقبل.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر قيادية في «المستقبل» أنْ لا خوف على حظوظ جمالي في أن تستعيد مقعدها النيابي في مواجهة منافسيها وأبرزهم مرشح الحراك المدني يحيى مولود الذي كان قد ترشّح في الانتخابات النيابية الأخيرة، والنائب السابق مصباح الأحدب الذي أبدى استعداده للانسحاب لمصلحة المرشّح نزار زكا ابن القلمون المعتقل في السجون الإيرانية، مشترطاً أن يحذو حذوه جميع المرشحين الآخرين، ما يُبقي على المنافسة محصورة بينه وبين جمالي.
وتلفت المصادر إلى أن لانتقال الحريري إلى طرابلس، ليواكب عن كثب تحشيد الناخبين لتأييد جمالي، أكثر من مغزى سياسي يتجاوز إقناع الطرابلسيين بتأييد مرشحة «المستقبل» إلى رفع منسوب الاقتراع من خلال إخراج المزاج الشعبي من حالة اللا مبالاة إلى المشاركة بكثافة في العملية الانتخابية.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر طرابلسية مواكبة للاستعدادات الجارية لخوض الانتخابات أن «المستقبل» يبذل جهوداً فوق العادة لعله يتمكن من كسب تأييد الناخبين لمرشحته، وتعزو السبب إلى أن ترشيحه للقيادي النائب السابق مصطفى علوش، من شأنه أن يدفع في اتجاه إحداث تغيير في المزاج الشعبي لمصلحته باعتبار أنه من الوجوه السياسية البارزة في طرابلس.
وتتعامل المصادر نفسها بجدّية مع وجود الحريري في طرابلس، لما يتمتع به من حضور شعبي وسياسي مميّز، وتراهن على قدرته في إقناع الناخبين بالتوجّه في اليوم الانتخابي الطويل إلى صناديق الاقتراع للتصويت لمصلحة جمالي، مراعاةً لرئيس الحكومة. وتعترف المصادر المواكبة بأن أمام الحريري مهمة صعبة في رفع منسوب الاقتراع الذي لم يبلغ حتى الساعة، استناداً إلى المعطيات المتوافرة لدى الماكينات الانتخابية، 15% من عدد الناخبين، مع أن هناك مبالغة في الاقتراب من هذه النسبة.
وتلفت إلى أن مجرد انتشار خبر استعداد الحريري لزيارة طرابلس أدى إلى تفعيل الماكينة الانتخابية لـ«المستقبل»، وهذا ما ظهر من خلال الاجتماع الذي عُقد أول من أمس وشارك فيه أكثر من 600 مندوب يُفترض أن يتوزّعوا على صناديق الاقتراع. وتقول إن حلفاءه قرروا أخيراً تشغيل ماكيناتهم الانتخابية لعلهم يُسهمون في رفع منسوب الاقتراع، رغم أنه بقي في الانتخابات الأخيرة في حدود 32% من عدد الناخبين، علماً بأن الحريري التقى أمس، الوزير السابق أشرف ريفي، الذي كان قد انسحب من المعركة الانتخابية لمصلحة مرشحة الحريري في بادرة حسن نية حيال الحريري.
ومع أن المصادر هذه لا تريد أن تستبق مدى قدرة حلفاء «المستقبل» على حث ناخبيهم على المشاركة في العملية الانتخابية، فإنها تسلّط الضوء على الدور الذي يمكن أن يلعبه الرئيس نجيب ميقاتي الذي كان قد سجّل رقماً قياسياً في حصده الصوت التفضيلي في الانتخابات الأخيرة التي جرت على أساس النظام النسبي، فيما تجري الحالية باعتماد النظام الأكثري.
ويبقى السؤال عن قدرة الرئيس ميقاتي في تجيير الأصوات لمصلحة جمالي، وما إذا كان مَن أيّده في الانتخابات على استعداد للسير في خياره الانتخابي ولو بنسبة معقولة، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على حلفاء «المستقبل» وأبرزهم النائب محمد كبارة الذي لم يحرّك حتى الساعة ماكينته الانتخابية، ربما لأنه يريد أن يبيع موقفه للرئيس الحريري، إضافةً إلى الوزير السابق اللواء أشرف ريفي، والوزير السابق محمد الصفدي، و«الجماعة الإسلامية».
وعلى المقلب الآخر المنافس لجمالي، لا بد من التركيز على المرشح مولود الذي لم ينقطع كمعظم المرشحين عن التواصل مع النائب فيصل كرامي وجمعية «المشاريع الخيرية الإسلامية» -الأحباش- والعلويين مع أنهم كانوا قد أعلنوا مقاطعتهم الانتخابات احتجاجاً على عدم إعلان المجلس الدستوري فوز المرشح طه ناجي، الطاعن في نيابة جمالي.
فهل يمضي هؤلاء في مقاطعتهم للانتخابات وينضم إليهم «تيار المردة» بزعامة الوزير السابق سليمان فرنجية، و«حركة التوحيد الإسلامي»، والمجموعات الإسلامية، والأحزاب التي تدور في فلك محور الممانعة في لبنان الحليف للنظام في سوريا وإيران؟ أم أن مَن يدعو للمقاطعة سيقرر الالتزام بها فوق الطاولة على ألا تنسحب على ناخبيهم من تحت ويتلقّون منهم «أمر عمليات» بتجيير أصواتهم للمرشّح القادر على تسجيل رقم انتخابي في وجه جمالي من دون أن يتوقّع فوزه.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن الصوت المسيحي لن يكون مقرراً في الانتخابات النيابية لأن السواد الأعظم من الناخبين هم من الطائفة السنّية، وهذا ما قد يدفع بـ«المردة» إلى مراعاة الرئيس الحريري، لما تربطه به من علاقة وطيدة من موقع الاختلاف حول النظام في سوريا. كما أن «المستقبل» بدأ يحسب منذ الآن حساب مبادرة الأطراف المقاطعة للانتخابات ويراقب لقاءاتها مع المرشحين وتحديداً المرشّح مولود الذي يبدو أنه الأقدر على تسجيل رقم انتخابي، وإن كان لا يتيح له الفوز، للتأكد ما إذا كانت ستبدّل موقفها انطلاقاً من تقديرها بأنها ستسجّل لنفسها تدنّي نسبة الاقتراع. وبكلام آخر، فإن مجرّد تدنّي نسبة الاقتراع قد يضطرها إلى اللجوء للعبة مزدوجة تقوم على المقاطعة في العلن والاقتراع من تحت الطاولة.
أما بالنسبة إلى المرشّح زكا، فلا بد من مراقبة المزاج الطرابلسي ما إذا كان سيقترع لمصلحته تضامناً معه لتمرير «رسالة إلى إيران» لعلها تتفاعل في الإعلام وتشكّل ضغطاً لإعادة تحريك الدعوة للإفراج عنه بعد أن فشلت الوساطات الرسمية لدى طهران للإفراج عنه.
وعليه فإن «المستقبل» وإن كان يُبدي ارتياحاً لسير العملية الانتخابية التي ستعيد المقعد النيابي إلى جمالي فإن ما يميّز هذه الانتخابات عن غيرها في الدوائر الانتخابية، وتحديداً في تلك ذات الغالبية من الطائفة الشيعية، يكمن في أنْ لا مكان في طرابلس للتكليف الشرعي أو لفائض القوة الذي يتمثّل في المناطق الأخرى بسيطرة «حزب الله» على هذه الدوائر بتحالفه مع حركة «أمل».