سلّم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في لقائه مع القيادات السياسية في قصر الصنوبر، مذكرة أشار فيها إلى أن “زيارتكم تمسّ بالصميم جميع اللبنانيين، لأننا في مثل هذه الأوقات العصيبة نحتاج الى أصدقائنا. وفرنسا بالتأكيد هي من أعظم أصدقاء لبنان”.
ولفت باسيل في المذكرة، إلى انه “كنا ننتظر زيارتكم لنحتفل سويا في أيلول بمئوية لبنان الكبير، لكن القدر شاء أن تحلّ المأساة بدلاً. غير أن هذا القدر هو نفسه أراد أن يحوّل هذه المحنة الرهيبة فرصةً لتجديد لبنان الكبير على مشارف بداية مئويته الثانية، بفضل صمودنا وبفعل دعم أصدقائنا، وفي هذا الصرح بالذات، قصر الصنوبر، حيث أُعلن لبنان الكبير عام 1920، يجبَهُ المرءُ منّا سؤالا عظيما: ما الخيار المنتظر؟ لبنان ما قبل الـ1920، أم لبنان الذي ما بعده؟ كيف نحافظ على لبنان الذي نريده بالتأكيد كبيرا، لا صغيرا ولا مقسّما، قويا لا ضعيفا ولا مندثرا؟”.
واضاف، “جوابنا، الذي هو في الوقت عينه مطلبنا، يكمن في:
1-وحدة اللبنانيين في قيم التعددية والتسامح والانفتاح، توازيا مع إبعاد لبنان عن المشاكل الخارجية التي ينقسم حولها اللبنانيون.
2- توفير حماية دولية للبنان المستقر والمزدهر تبعاً لعملية تهدئة إقليمية، مع أملنا في أن تتحول تلك العملية سلاما مستداما. أنتم بالذات، سيدي الرئيس، يمكنكم جعل فرنسا حجر الأساس في مجمل هذه العملية، والتواصل مع كل الدول، من أجل بناء مستقبل سلمي، ولإعادة إعمار بلدنا وعاصمتنا، بدعمكم ومساعدتكم”.
واضاف، “لا يزال التدخل الخارجي يعصف بإستقرار لبنان. لا بل تجهد التطورات الأخيرة في إعادتنا الى ما قبل لبنان الكبير، من دون أن ننسى حقيقة خطر التطرف الذي يهدد أمننا وأمنكم، والذي يخترق مجتمعنا ويطرق أبوابكم، ومن دون أن نغفل واقع وجود مليونيّ لاجئ ونازح على أرضنا نتيجة للحروب غير العادلة. هؤلاء الذين نرحب بهم بسخاء، قد يسلكون طريق الهروب نحوكم في حال تفتت لبنان”.
وتابع، “تحمل مخاطر انهيار بلدنا، مخاطر انهيار المجتمعات الغربية المجاورة، وهو نداء سبق أن وجهته عام 2015 إلى وزراء الخارجية الأوروبيين في برشلونة.
أما نجاحنا فيعني قبل كل شيء نجاحكم. ساعدونا في إقناع القوى الإقليمية والدولية، بعدم جعل لبنان ورقة مساومة، أو مجرّد ضرر جانبي، أو حتى أرض صراع، وبردع إسرائيل عن الاعتداء علينا يوميا”.
3- إقرار إصلاحات سياسية دستورية، في سياق توافق وطني شامل، لجعل لبنان دولة علمانية حديثة في إطار لامركزيّ يحترم تعدديتنا. كذلك إجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية والقانونية والإدارية التي طال انتظارها، للقضاء على الفساد وإرساء نموذج اقتصادي جديد بدلاً من النموذج القائم الذي يعوق تقدمنا. وهنا ايضا، تؤدي فرنسا الدور الأساسي، في إطار مؤتمر Cedre، وفي سياق برنامج منتظر مع صندوق النقد الدولي، بغية تشكيل رافعة تدفع لبنان إلى اتباع خطة الإصلاح الشامل هذه، خطة الإنقاذ الوطني.
4- إعادة إعمار بلادنا، وعاصمتنا على وجه التحديد. إننا نرى في المأساة فرصة للتجديد، وللعثور على الجناة وتقديمهم إلى العدالة، ومعرفة ما إذا كان وراء هذه المأساة إعتداء ما. كما نرى فيها سانحة لإعادة المكانة المتميزة إلى الدولة القادرة وحدها على حماية اللبنانيين وإدارة شؤونهم.
واضاف، “مرة أخرى، يمكن لفرنسا، برئاستكم، أن تقود هذا الجهد الدولي لإعادة بناء بيروت من خلال الحفاظ على مبانيها التراثية التي تعود إلى زمن الانتداب الفرنسي، ليس من خلال التبرع بالمال، ولكن من خلال إعادة إعمار أو ترميم حيّ أو منطقة ما تتولاها أي دولة ترغب في ذلك، وفق قدرتها وإرادتها. وتنسحب هذه الآلية على مرفأ بيروت بحيث يعاد بناؤه بالشراكة بين لبنان وفرنسا، ويتم تطوير بنيته التحتية ووظيفته، ليكون نموذجًا للتعاون الناجح بين البلدين، وعلى مستوى القطاعين الخاص والعام، على غرار نموذج شركة الشحن اللبنانية -الفرنسية CMA-CGM، إحدى الشركات الأكثر نجاحًا في العالم. ويمكن أن يكون مشروع إعادة بناء المرفأ وتطويره نموذجًا لمشاريع تعاون أخرى في قطاعات النقل (الموانئ والمطارات والطرق) أو الطاقة (الكهرباء والغاز والنفط والمياه) ومعالجة النفايات، تماما على صورة مشروع استخراج الغاز بقيادة توتال، حيث نريد تدخلكم، في الوقت المناسب، لمواصلة أعمال الاستكشاف، ومن ثم الإنتاج”.
5- إن أكثر ما نبغيه هو الحفاظ على هذا النموذج الفريد للبنان العربي لكن الفرنكوفوني حتى العظم، المتنوع لكن المتوازن- حقّ توازن- بين المسيحيين والمسلمين، المتجذر في الشرق لكن المنفتح على الغرب بلا حدود. مصيرنا التغلب على كل تحديات المنطقة للحفاظ على أرضنا، لقد تراكمت عندنا بالتأكيد أخطاء في إدارة البلد، معطوفة على غياب رؤية جماعية مشتركة لبلدنا.
ندرك كل ذلك، تماما كما ندرك أنه لم يعد مسموحا التقاعس عن العمل، امر لا يسمح به شعبنا، ولا يحتمله المجتمع الدولي”.
وختم باسيل في مذكرته أن “الشعب اللبناني مصاب عميقا، لكنه لم يمت. مع أصدقاء مثل فرنسا، سيعيش طويلا، سيضمّد لبنان هذا الجرح العميق بفضل صلابة شعبه ومرونته وإرادة البقاء، لقد دفعنا، نحن اللبنانيين، ثمناً باهظاً نتيجة الإهمال والفساد، من دون إغفال ثمن الجغرافيا وحروب الآخرين، نريد إستعادة مصيرنا ساعدونا في ذلك”.