“ليبانون ديبايت” – ملاك عقيل
بعد مرحلة من التمرّد على سوء إدارة التسوية الرئاسية التي كلّفته الخروج من الحكومة ومقاطعة اجتماعات كتلة “المستقبل” النيابية، لن تكون الإحالة الباكرة للرئيس سعد الحريري الى نادي رؤساء الحكومات السابقين وإزاحته عن طاولة القرار سوى ردّ اعتبار لوزير الداخلية السابق نهاد المشنوق.
لم يعد نائب بيروت يجد حرجًا في تسمية الأشياء بأسمائها في العلن بعدما قالها في السرّ للرئيس الحريري: سوء إدارتك للتسوية الرئاسية سلّم البلد لحزب الله وجبران باسيل… واليوم لحسان دياب بعدما تكفّلت بإخراج السنة من السلطة وتخريب التوازنات. أنت شريك وليس ضحية. و”بفضلك” لا مرجعية سياسية للسنّة اليوم!
على الارجح لم يكن التعبير الذي استخدمه المشنوق في حديثه الى “اندبندنت العربية” في معرضِ وصفهِ للعلاقة مع الحريري بـ “الجافة” دقيقًا.
باتت الخصومة طافحة بين الرجلين الى حدّ الطلاق الرسمي وتبرّع قريبين من تيار المستقبل بشنّ حملات ضد المشنوق عبر “فتح ملفاته” في الداخلية ومعايرته بـ “لينكه” مع حزب الله يوم كان وزيرًا للداخلية وإدارته لجولات الحوار مع الضاحية وهندسته لتسوية انقلب عليها لاحقًا وركوبه موجة الشارع في الوقت الخاطئ.
حملاتٌ أعقبت، كما يقول المشنوق، محاولة “اغتياله” نيابيًا. اليوم يسارع نائب بيروت الى الاعلان، “لن أسكت على أي تطاول بعد الآن”.
ما يبدو لافتًا، إنكفاء قيادات “المستقبل” عن خوض المنازلة مع الرفيق السابق رغم المواقف العالية السقف للمشنوق، حيث تقتصر النكعات وتمرير الرسائل القاسية عبر قنواتٍ غير مباشرةٍ، ربما لأن المشنوق يتحدّث في السياسة فقط وبدقة، متجنبًا التعرّض “بالشخصي”.
منذ خروجه من الصنائع في شباط 2019 وصولًا الى استقالة الحريري وتشكيل حكومة حسان دياب، مرحلة من الـ “ديتوكس” السياسي ارتضاها المشنوق وخرقها بنفسه أكثر من مرة، إما بتغريدات ومواقف نارية أو من دار الفتوى، مصوّبًا على أخطاء الحريري والعهد، ناعيًا حتى إمكانية “الوصول بشكلٍ سهلٍ الى نتيجةٍ في الوقتِ المناسبِ على الصعيدَيْن المالي والاقتصادي”.
نبؤة المشنوق حذرت من قرب الانهيار، فيما فضّلَ الحريري الركون الى “تطميناتٍ” ثبت أنها لم تكن واقعية حين بشّرَ “أنّكم سترَون جهدًا كبيرًا من الحكومة في الايّام المقبلة لكي ننجو من العاصفة”.
هبّت العاصفة لكن وحده الحريري لم ينج منها. برأي المشنوق الثمن كان أكبر بكثير. أحد صانعي التسوية والمرّوجين لها شهد على ما يقول، أنه استسلام وليس تسوية متكافئة.
لا إجابة منطقية حتى اليوم تقنع المشنوق بالسبب الذي دفع زعيم السنّة الى تسليم رقبته لطباخي قانون انتخابٍ عنوانه “تحجيم” سعد الحريري وكتلته، كما أنّ محاضرَ مجلس الوزراء تشهد على تحفظاته واعتراضاته قبل أن يستغنيَ الحريري عن خدماته في الصنائع. وها هو الشارع يبتلع سلطة بأكملها انتقامًا من مسار عمره عقود وليس فقط مجرد سقوطٍ في امتحان التسوية الظرفية. وآخر الخيارات أمام الانهيار الموجع حكومة “تفلَح” لاسترضاء رضى الدول المانحة. ومصير اللبنانيين يبدو معلّقًا على إشارة من “مقدّمي” ملياراتها!
برأي المشنوق، إنّ تكليفَ دياب كان غير ميثاقي ومطابق لمواصفات تأليف الحكومات السابقة ما أوجب اعتذاره. لكن وزير التربية السابق في حكومة نجيب ميقاتي يبدو كـ “روبوت” ببطارية شاحنة طويلة النَفَس. ينفذ ما بُرمِج من أجله.
قاطعَ نائب بيروت الاستشارات النيابية “تجاوبًا مع الشارع”، واستعان بمستشار مرشد الثورة الايرانية علي ولايتي ليدمغ حسان دياب بوصفه “مرشّح ايران ويمثّل من كلّفوه فقط. لا اللبنانيين ولا أهل بيروت ولا أهل السنّة!”.
لكن فجأة بات مرشّح ايران، بالنسبة الى المشنوق، مثالًا في استعادة “الصلاحيات المهدورة”، المهمة التي اخفق فيها سعد الحريري. لم يكن صعبًا التقاط مؤشرات الدعم من وزير الداخلية السابق للرئيس المكلف الذي “يدفع ثمن” تمسّكه بهذه الصلاحيات ويطبّق الدستور وتحوّله الى ضحية من سمّوه ومن لم يسمّه.
ولدت الحكومة بمحاصصة معترَفٌ بها رسميًا. غابَ المشنوق مرّة جديدة عن مجلس النواب من دون أن “يَقطَعَ” معه مشهدَيْن نافرَيْن: مشاركة كتلة “المستقبل” في تأمين النصاب لاقرار الموازنة ثم التصويت ضدها. أمرٌ احتاجَ، برأي نائب بيروت، الى خبراءٍ في فكِّ الالغاز. وأيضًا، مشهد حسان دياب مستفردًا وحيدًا من دون حكومته “في اعتداءٍ جديدٍ على رئاسة الحكومة”.
في جلسة الثقة أيضًا، لن يحضر المشنوق لمنح الثقة لآخر حكومات عهد ميشال عون، كما يقول!
أكثَرَ المشنوق في الآونة الاخيرة من الحديثِ عن الدماءِ، متّهمًا أحزابًا بإراقتها. قالها حرفيًا، “انتخابات رئاسية مبكرة وحكومة تكنوقراط. وإلا سيجد صهر الرئاسة الدماء على يديه”. كلامٌ كبيرٌ وخطيرٌ ترافقَ مع مواجهاتٍ داميةٍ في بيروت انتهت بارتفاع الجدران الاسمنتية العازلة بين المتظاهرين ومجلس النواب والسرايا الحكومية.
وحين يُسأل المشنوق عن خيار تعيين العميد السابق في الجيش محمد فهمي وزيرًا للداخلية ربطًا بمتطلباتِ المرحلة أمنيًا وسياسيًا، يوضح وزير الداخلية السابق: “الوزير فهمي ضابطٌ محترفٌ يواجه مهمة أمنية من الدرجة الاولى، وعلينا ملاحظة انه في الاسبوعين الماضيين، نَجَح في ضبطِ ردودِ الفعل العنيفة من المتظاهرين بإستعمالِ الحدِّ الادنى من “الافراطِ” بالقوة، وهذا دليل اعتماده معاييرٍ دقيقةٍ لاتاحةِ التعبير السلمي للمتظاهرين”.
ويبدو جليًا، أنّ تشكيلَ الحكومة، بكلِّ ملابساتها، شكّلَ تحفيزًا للمشنوق في اعتمادِ مقاربةٍ أكثر وضوحًا وتقدّمًا حيال عناوين المرحلة، رافعًا علم المعارضة. “بات مصير العهد برمّته بيد هذه الحكومة التي، برئيسها وأعضائها، لا شيء لديها لتخسره”.
براغماتية إبن بيروت تدفعه الى التسليم بأنه واحدٌ ممّن يشيطنهم الشارع اليوم. لكن على ما يبدو اختارَ “المقا ومة” من هنا وليس من باريس أو الرياض.
يَرصد المشنوق حركة الغاضبين في الشارع مع تحذيرٍ دائمٍ من الوقوعِ في المحظور ومن ضمنه تخريب وسط بيروت واعتماد القمع الفوضوي. لا يمانع في منحِ حكومة “مرشح ايران” فرصة لأن لا خيارات أخرى أصلًا. مع ذلك، يصرّ على أنّ حركة الاعتراض الشعبي ستزيد لأن دائرة الازمات ستكبر، ولذلك لا خيار للحكومة سوى أن تنجحَ بمهمّتها وإلا فإنّ مصيرَ رئاسة الجمهورية نفسها على المحك، خصوصًا أنّ الشارع رفعَ مطلب تنحي ميشال عون منذ اليوم الاول