ليس سهلاً أن تكتب عن وفاة صبي صغير بشكل مفاجئ، ابن الست سنوات ونصف السنة خذله قلبه فجأة، أغمض عينيه ورحل بعد أن كان يضج حياةً وفرحاً وحركة. كيف يمكن العيش مع هذا الوجع، ومع هذه الصدمة التي لا يتوقع أحد أن يعيشها؟ استوقفتني صورة فادي وهبي، كيف لهذا القلب الصغير أن يتوقف دون سابق إنذار، نحاول جاهدين فهم ما حصل، الموت صعب على الجميع، فكيف إذا كان مفاجئاً وبهذه السنّ؟
تروي ريما وهبي والدة فادي لـ “النهار” تفاصيل ما جرى مع ابنها قبل أن يفارق الحياة. تريد أن تشارك قصته للتوعية حول كهرباء القلب وإنقاذ حياة آخرين، تقول “فادي راح بس فينا نحكي كرمال ما حدا يعيش يلي عم نعيشو، ما بتمنى لحدا يمرق بيلي عم نمرق فيه”.
تستعيد ذلك النهار بدموعها وصوتها المتأثر “كان فادي يستعد للذهاب إلى المخيم الصيفي في مدرسته، ارتدى ثيابه وانطلقنا. كان سعيداً ومتحمساً كالعادة، اهتم بشقيقته الصغيرة عند وصوله وقبّل المسؤول عنه معبراً عن حبه له برغم شقاوته خلال النهار. وخلال النهار، شعر فادي بألم في صدره فتوجه عند المعلمة ومن ثم عند الممرضة. كان كل شيء سريعاً، بدأ يفقد توازنه فساعدوه على الاستلقاء واتصلوا فوراً بالصليب الأحمر”.
خرجت رغوة من قلب فادي وقلبَ عينيه، ظنوا بداية أنها نوبة صرع، وعند وصول الصليب الأحمر تم إسعافه والتوجه به إلى أقرب مستشفى.
تتابع ريما حديثها “أجريت الفحوصات اللازمة من صورة صوتية للقلب وسكانر للرأس وكانت النتائج سليمة. لقد قاموا بكل الإسعافات الأولية والإنعاش لأكثر من ساعة لكن لم يستجب قلب فادي. كان يضع يده على قلبه، كل شيء كان سريعاً، لم نفهم ما حصل معه، توقف قلبه فجأن دون عارض سابق:.
تعترف ريما أن ما جرى مع فادي دفعها إلى الخوف على ابنتها الصغيرة التي تبلغ ٣ سنوات. “قررتُ إجراء الفحوصات لها واستشارة إختصاصي في أمراض القلب حتى لا أخسرها هي أيضاً. الوجع كبير جداً، فادي كان صبياً ذكياً وكثير الحركة والفرح. كان قلبو قوي وقبضاي ما بخاف”، يمارس رياضة التايكوندو ويحب السباحة واللعب، رحل فجأة وتركنا في عذاب كبير وجرح لا يندمل”.
كيف يُفسر الطب الموت المفاجئ عند الصغار؟
يوضح الاختصاصي في أمراض القلب والأوعية الدموية وكهرباء القلب في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور مروان رفعت في حديثه لـ”النهار” أن “الخلل في كهرباء القلب والموت المفاجئ عند الشباب غالباً ما يصيب فئة الذين تراوح أعمارهم بين 12 و35 عاماً. لكن نسمع مؤخراً عن بعض حالات الوفاة لأولاد لم يتخطوا الـ8 سنوات، ولهذه الحالة الطبية في هذه السن أسباب جينية أو تشوهات خلقية منذ الولادة”.
ولكن من المهم جداً أن نعرف أن الموت المفاجئ في هذا العمر قد يُخفي مرضاً لم يُكتشف سابقاً. في الولايات المتحدة مثلاً يخضع المتوفي إلى التشريح لمعرفة السبب الحقيقي للوفاة. لذلك قد يكون السبب إما خللاً في كهرباء القلب أو تضخماً في عضلة القلب والتي تؤدي إلى الوفاة المفاجئة، وغالباً ما تكون من دون عارض صحي سابق.
ويشير رفعت إلى أنه “عادة ندعو إلى إجراء تخطيط كهرباء القلب للأشخاص الذين هم فوق الـ12 عاماً حتى الـ35 عاماً ولا سيما للرياضيين. لكن هناك بعض الحالات الفردية التي توفيت نتيجة توقف قلب مفاجئ في سن أصغر. لذلك ننصح الأهل بإجراء الفحص في عمر الـ12 إلا إذا كان هناك في العائلة حالة وفاة مبكرة، عندها يُفضل إجراء الفحص باكراً والتأكد من عدم وجود أي خلل أو تشوه خلقي في القلب”.
أعراض تحذيرية
صحيح أن العارض الأول قد يكون الأخير، لكن أحياناً يعاني المريض من بعض الأعراض التحذيرية التي يجب التوقف عندها واستشارة الطبيب وعدم إهمالها ومنها:
الدوخة
تسارع في دقات القلب
الإغماء
العلاجات
يشدد الدكتور رفعت على ان “العلاجات تتفاوت حسب السبب، ولكن يمكن تقسيمها وفق الآتي:
في حال كان يعاني المريض من إحدى المتلازمات المذكورة، يُعطى المريض أدوية لتنظيم دقات القلب.
في متلازمة وولف باركسون وايت: نلجأ إلى الكيّ عبر القسطرة.
بعض الحالات تستوجب زراعة جهاز منظم لدقات القلب.
ويختم بالقول “يبقى الأهم إجراء الفحوصات لكهرباء القلب (تخطيط وصورة صوتية للقلب) في سن مبكرة في حال حدوث وفاة مبكرة في العائلة”.