التيّار إلى الشارعِ. هذه المرَّة ليس دعمًا لرئيسِ الجمهورية بوجهِ عشراتٍ طالبوا بإسقاطهِ، وليس دفاعًا عن رئيسِ التيّار الذي أُلبِسَ عنوةً عباءة فسادٍ لا يتحمَّله هو. هذه المرّة “الوطني الحرّ” إلى “الميدان” دفاعًا عن الناسِ، ولإطلاقِ معركةٍ كبيرةٍ كان يجب أن تبدأ.
أمام مصرفِ لبنان، سيحتشد مناصرو التيّار للمطالبةِ بتحرير أموال صغارِ المودعين. خطوةٌ يراها القريبون طبيعيّة جدًا وتتماهى مع مواقفِ الرئيس ميشال عون والوزير السّابق النائب جبران باسيل وروحيّة “الوطني الحرّ” المواجه. بينما يعتبرها بعض من يقف خارجًا أنّها طارئة وتهدف إلى ركوبِ موجةِ الإنتفاضةِ الشعبيّةِ.
على هذا النحو، يتحضَّر شارع التيّار كي يعود منتفضًا كما كان قبل دخول حزبهِ السلطة، ويبدو أنّه بقرارٍ من رئيسهِ قد شرَع في معركةِ استعادةِ الشارعِ انطلاقًا من دافعِ استعادة الحقوق، بالتوازي مع معركةٍ سياسيّةٍ سيخوضها العهد لكسرِ رموزِ الإحتكار المالي وإعادة صياغةِ النظام الريعي القائم على حسابِ مصلحةِ المواطن.
تعتبر قيادة التيّار اليوم، أنّ واجبًا وطنيًا يدفعها للمطالبةِ بتحرير أموال الأغلبية الساحقة من اللبنانيين والحفاظ عليها عبر منعِ تهريب كبار المودعين لأموالهم المتبقيّة في المصارف.
صغار المودعين الذين تبلغ نسبتهم حوالي 90% من مجمل المودعين، يعجزون اليوم عن الوصول إلى مدخراتهم التي أودعت في حساباتهم طوال أعوامِ تعبهم وكدّهم في سوق العمل وربّما في الإغتراب.
يعتبر التيّار اليوم، أنّ للناس حقّ على كل الأفرقاء السياسيين بالدفع قدمًا نحو إلزام السلطات المالية إعادة الأموال لأصحابها، من منطلقٍ قانونيٍّ بحت وصرخةٍ شعبيّةٍ تعكس نقمة اجتماعية تتصاعد ساعةً بعد ساعة.
تحرّك التيّار الشعبي يوم الخميس ليس الخطوة الأولى في هذا الإطار، ففي الرابع عشر من كانون الثاني الفائت أرسلَ تكتّل “لبنان القوي” كتابًا إلى رياض سلامة دعاه فيه إلى إرساءِ قواعدِ التعامل السوي بين المصارفِ والعملاءِ جميعًا بعيدًا من الإستنسابية. في الكتاب نفسه والذي حمَلَ توقيع كلّ أعضاء التكتّل طُلِبَ من سلامة الإفصاح والإعلان عن المصارفِ التي سهَّلَت نقل الأموال الى الخارجِ منذ بداية العام 2019، كما “طولِبَ” بالإعلان عن أسماءِ العملاءِ الذين نقلوا أموالهم، وذلك انطلاقًا من قاعدة المعلومات التي يمكن أن يستحصلَ عليها المصرف.
هذا الكتاب الذي لم يتم التجاوب معه، إضافةً الى مواقفِ التكتل المتكرِّرة والتي كانت كلمة باسيل في جلسة الثقة في المجلس النيابي أقساها لجهة التشديد على إعادة أموال الناس مباشرةً ومحاسبة المهرِّبين والمتواطئين والإنصياع لرغبات الشارع، مفصّلًا ما عبّر عنه سابقًا من خلال سلسلةٍ من التغريدات، دفعَ التيار ورئيسه إلى اتخاذ قرار اللجوء إلى الشارع، فكانت الدعوة ليوم الخميس في شارع الحمرا.
يرى البعض، أن التيار الوطني الحر يسعى لركوب الموجة اليوم، فيما تشير الوقائع، الى أنّه في العام 2011 ويوم كان عون رئيس تكتّل “التغيير والإصلاح” وله حصّة وزارية في الحكومة، طالبَ حينها بتغيير رياض سلامة، فلقيَ معارضة كبيرة من الداخل والخارج وصلت إلى حدِّ التهديد الأميركي المباشر للحكومة آنذاك. إذًا منذ البدء كان التيار في موقع المعترض على أداءِ الحاكم وهو الأمرُ الذي يتقاطع مع مطالبِ الإنتفاضةِ الشعبيّةِ التي تحرّكت بعد 9 أعوامٍ بناءً على اجراءاتٍ مصرفيّةٍ خانقةٍ للمواطن نتيجة سياساتٍ كيديّةٍ سبق للتيار أن حذّرَ منها!
وفور الدعوة إلى التحرّك، خرَجَت أصوات عديدة تستهزئ بتحرّك التيار، فيما ثمَّنَ عقلاءٌ كثرٌ في الحَراكِ الشعبي انضمام طرفٍ من داخل السلطة السياسيّة إلى تحرّكاتهم وهو الأمرُ الذي قد يساهم في تفعيل الضغوطِ وتوسيعِ رقعةِ الجبهة المواجهة للسلطةِ المصرفية القائمة.
سياسيًّا، قد تساهم خطوة التيار بالدفع نحو تشجيعِ أفرقاء آخرين على التحرّكِ، لتكون بالتالي احدى إيجابيات ما حصل في 17 تشرين هو ترجمة الضغوطِ الشعبيّةِ لخطواتٍ فعّالة وقوننة سليمة لمكافحةِ الفساد وإطلاق يد القضاء.
وقوف جمهور “الوطني الحر” كتفًا إلى كتفٍ مع جمهور الإنتفاضةِ غير الحزبيّة مُطالبًا بالكشفِ عن مهرِّبي الأموال وإعادة المال الى صغار المودعين هو نقلةٌ نوعيةٌ في الحياة السياسيّة وفي مسيرة التيار، الذي اختبرَ التسوية لسنين مع من اتّهمهم بالفسادِ سابقًا لعلّه ينقذ البلد من دون تهميش أحدٍ، فتبَيَّن له أنّ مقاومة الفساد من أجل البناءِ لا تحصل إلّا بالمواجهة ولو منفردًا.