يبدو أن “الانتلجنسيا” العونية من سكارليت حداد إلى بعض نواب ووزراء التيار الوطني الحر، وصولاً إلى مذيعات ومقدمي برامج التلفزيون “البرتقالي”.. ليس لديها ما تقدمه إلا الضحالة والإسفاف وأحط صور العنصرية والتمييز، والذكورية المريضة والمشبعة بالنظرة الاحتقارية للنساء خصوصاً، ولعموم اللبنانيين.
وجديد الأمر ، ما أتى به كبير أساتذة “الدراسات الثقافية والتاريخ” في الجامعة الأميركية اللبنانية، بيار سركيس، الذي هاله شتم المتظاهرين للمسؤولين اللبنانيين في تظاهراتهم، فتملكه الغضب فاقداً صوابه.
غضب شديد كما بدا في تعليقه على صفحته الفيسبوكية بحق المتظاهرين. غضب جعله يستخدم أقذع العبارات التي لا يستخدمها حتى أصحاب الصفات والمهن التي هان وسفّه بها سركيس المتظاهرين والمتظاهرات. كلام بذيء لا يتفوه به حتى “أولاد الشوارع”، كما يقال تحقيراً في لبنان، فكيف بأستاذ دراسات ثقافية يحمل رتبة رفيعة المستوى في الجامعة الراقية.
ومن ضمن “سركيسياته” (يكتب أفكاره النيّرة تحت عنوان “سركيسيات”) كتب بعد مشاهدة شريط فيديو كان المتظاهرون والمتظاهرات يشتمون فيه الوزير جبران باسيل ورئيس الجمهورية: “أتقدم من النيابة العامة بإخبار بحق كل هؤلاء العاهرات في هذا الفيديو بتهمة القدح والذم بحق رئيس الجمهورية اللبنانية”.
وخاطب أحد أصدقائه، الذي دعاه للنزول إلى الساحات، مستعيباً “الالتحاق بهؤلاء السافلات الحقيرات”. وأضاف: “إلى العاهرات والسافلات والحقيرات… وخصوصاً قائدة الهتافات ضد رئيس الجمهورية. شوفي منظرك أتطلعي بحالك… بأي برميل زبالة خلقتي… وبأي مزبلة تربيت… ومين الزبال والزبالة يللي ربوك؟. أنتن نبض الثورة يا حَوَش؟ أنتم المتعلمات والمتعلمين والمثقفين الذين سينهضون بهذا البلد؟ أنتم يا حثالة الشعب… نتنين، معفنين طالعة ريحتكم… بائعات الهوى أشرف وأطهر منكم لأن بمهنتهن لديهن عز وكرامة… أنتم تلامذة مدارس أو جامعات أو ذوي أختصاص في وظائفكم ومهنكم؟ روحوا انقبروا انضبوا يا ثوار الزبالة. بنتشروا وبتنباعوا بأقل من فرنك.. وهيدا العضو التناسلي يللي عم تتغنوا فيه… خرج يندحش بنياعكم لزلاعيمكم. وبفضلكم رح نرجع نحبه لجبران باسيل”.
الجامعة تفتح تحقيقاً
بعد انتشار هذا الكلام البذيء الصادر عن أستاذ من إحدى الجامعات المرموقة في لبنان، توالى الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي على التنديد به. ووفق مكتب العلاقات العامة في الجامعة في بيروت، فقد وصلت إلى رئيس الجامعة رسائل إلكترونية من معظم الطلاب، وتم الرد عليها جميعاً، لما شكله الأمر من حرج. فالجامعة تعتمد المعايير الأميركية وتلتزم بالقوانين الأميركية، التي تعتنق مبدأ “صفر تسامح” بقضايا التنمر أو التحرش بالنساء. وأكّدت أن القضية قيد المتابعة من قبل المكتب القانوني في الجامعة تمهيداً لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقه. وقد تحركت الجامعة فوراً، وبدأت بتحقيقاتها التي لن تطول كثيراً، لما في الأمر من ضرر لسمعة الجامعة.
أمام الانتقادات الكثيرة والشكاوى التي قدمها التلامذة والناشطون، عمدت الجامعة إلى الرد على جميع الشكاوى بنصّ مصوّر كتب عليه: “لا تسمح الجامعة اللبنانية الأميركية بأي نوع من التمييز الجندري وتتوقع من مجتمعها (إدارة وأساتذة وطلاب) الالتزام بالمعايير الأخلاقية العليا. وصلتنا البارحة ادعاءات بخصوص أحد أفراد الجامعة. وعليه شرعت الجامعة اللبنانية الأميركية بالتحقيق رسميا بالانتهاكات المذكورة وفقت للآليات القانونية المعتمدة، وذلك كي تضمن حسن وعدالة التحقيق”.
ما يشبه الاعتذار
إزاء ردود الفعل وما يتهدده بمستقبله المهني، يبدو أن سركيس شعر بالحرج من سفاهة كلامه، فعمد إلى محو “البوست”، وكتب معتذراً، ومتهماً “أياد خفية” بتحوير كلامه ونصّه عبر تقنيات خاصة يجهلها.
وجاء في النص الاعتذاري: “انا بشكر كل الذين علقوا على البوست الذي نشرته من كم يوم وتناولت فيه الفيديو والشتائم التي وجهت إلى رئيس الجمهورية الذي احب واحترم وهذا رأي شخصي طبعا… فتحتوا عليي سلبا وايجابا وهذا طبيعي في موقف كهذا… ونشرتوا عرضي وعرض عائلتي وهذا أيضا مقبول من قبلي… ولكن للتوضيح… رح بلش من الآخر متل ما منقول… تحت وطأة ما شاهدت من مجموعة معظمها من الصبيات وقد هالني ما بدر منهم والكلام الجارح جدا لرئيس الجمهورية… كتبت البوست فورا ووجهت كلام قاسي ومش بمحله… وهيدا غلط وانا آسف من الجميع على بعض العبارات التي كتبتها… واقول بعض العبارات… لان من الواضح أن أحدهم دخل على البوست وزاد على الكلام وحور وغير… وهو شيء سهل على الفيسبوك من خلال تقنية سهلة انا شخصيا لا افهمها… ولكن بعد ما تبين لي حقيقة هذا الأمر… عملت ديليت للبوست فورا… وذلك منذ صباح البارحة… فأذا انا أقدم اعتذارا لكل من اعتبر نفسه مقصودا من كلامي لانه كان… تحت الظرف وبوقتها في غير محله… وإذاً انا اعتذر هنا على كلامي… ليس لأنني خائف من فقدان وظيفة او التعرض لأذى… بل لأنني بالعربي الفصيح… ما تربيت هيك ولا ربيت أولادي هيك… وعندي من المناقبية والأخلاق كفاية… وكما فورة غضب المتظاهرين الموجودين في الفيديو وكلامهم… بدر مني وبفورة غضب كلام لا يليق بتربيتي… للذين يظنون ويصرون انني انتمي الى حزب سياسي او زعيم سياسي… أنتم على غلط وانا قلتها ووضحتها عشرات المرات ولكن البعض منكم مصرين… انا انتمي الى المدرسة الوطنية التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية واكن له الحب والاحترام الحقيقين موافقين معي ام لم توافقوا… آرائكم ملكا لكم ولكن لنتفق ان الاحترام المتبادل هو من صميم التفاهم والانفتاح على بعضنا البعض… وأنا من مناصري المظاهرات والتحركات والحاجة الملحة للتغيير وإصلاح الأمور في هذا الوطن الحبيب… نحن ننادي بها من سنوات وسنوات قبلكم… وابنتي كورتني كانت ركنا دائما في ساحة النور في طرابلس منادية بلبنان جديد يلبي طموحاتها وطموحات كل المتظاهرين… ولو كنت ضد هذه التحركات لما كانت أبنتي موجودة معكم… أخيرا اقول لكم ابقوا هتافاتكم مهذبة وبعيدة عن الشتيمة… ونكون كلنا بغنى عن ردات الفعل وردات الفعل المضادة… بهذه الطريقة نصوب البوصلة معا وخصوصا انتم لبناء لبنانكم الجديد… نحنا لبناننا انتهى… ختيرنا… من جديد… اعتذار على ما بدر مني”.