رغم ولادتها من دون ذراعين، فإنها تحدّت ظروفها وقرّرت أن تتعلم، رافعة شعار “الإعاقة في العقل وليست في الجسد”، مستخدمة قدميها ليس في الكتابة فقط، ولكن في حياكة الملابس، لتصبح بالنسبة لها حرفة تتقنها جيداً، ويتردد عليها الزبائن من الجيران والمعارف وغيرهم.
إنها بركة كمال (34 عاماً)، ابنة قرية بني سميع التابعة لمركز أبوتيج في محافظة أسيوط المصرية التي التقتها “النهار” لتتعرف إلى قصة الإرادة والتحدي التي مكنتها من الالتحاق بركب المتعلّمين.
تقول بركة لـ”النهار”: “ولدت من دون ذراعين وتقبّل والدي قدر الله بكل رضا، وعندما أتممت عامي الثامن، حاولت أسرتي إلحاقي بالمدرسة، لكنها رفضتني بحجة كبر سني.
في البداية شعرت بالحزن، ولكنني لم أيأس، فقررت تعليم نفسي بنفسي، فكنت أراقب شقيقاتي وهنّ يؤدين واجباتهنّ المدرسية، وبدأت أتعلم بعض الحروف وأكتبها بقدمي حتى تمكنت من إتقان الكتابة بالقدم اليسرى”.
“قرّرت ألا تكون إعاقتي سبب فشلي أو تأخري، بل أن يكون لي دور في المجتمع ودائماً أضع عبارة “الإعاقة في العقل وليست في الجسد” نصب عيني وأعمل بها، لذلك التحقت بفصول محو الأمية عندما أتممت عامي العاشر، حتى تعلمت الكتابة والقراءة واجتزت الاختبارات ممسكة القلم بقدمي، ونجحت في الحصول على شهادة محو الأمية،.
وقمت بمعادلة شهادتي، وتمكنت من الالتحاق بالصف السادس الابتدائي، وأنوي استكمال دراستي، والالتحاق بالجامعة، وأن يصبح لي شأن في المجتمع. فالعلم لا سنَّ له، والإنسان يبقى طيلة عمره يتعلّم”.
“بعد حصولي على شهادة محو الأمية، كرّمني محافظ أسيوط اللواء جمال نور الدين، في إطار مبادرة «أسيوط بلا أمية» التي أطلقها في قرى المحافظة ومراكزها للتخلص من الأمية ونشر العلم، إعمالا بمقولة “العلم نور والجهل ظلام”.
“لم أكتفِ بتعلّم القراءة والكتابة فقط، بل التحقت بمركز تأهيل الفتيات، وتعلمت حرفة حياكة الملابس وأتقنتها مستخدمة قدمي أيضاً، وأصبح لي زبائن يأتون إليّ من المعارف والأقارب والجيران ومعارفهم، بالإضافة إلى أسرتي، حيث أصبحت أشهر صانعة فى تلك الحرفة.
كما أنني أقوم بجميع الأعمال المنزلية من كنس وطبخ وغسيل، وأساعد والدتي فيها، وأتمنى أن يساعدنا أحد لتغيير مكان السكن، إذ إن المنزل الذي أقيم فيه قديم ومتهالك، كما أتمنى أن يتم تعييني ضمن نسبة الـ5% للمعوّقين.
وأن يكون لي دخل ثابت، وأساعد أسرتي في الإنفاق، لاسيما وأن والدي فلاح بسيط لم يعد يستطيع العمل لأنه مريض”.