لم يأت دعم أكثرية قيادات طرابلس للرئيس سعد الحريري في الانتخابات الفرعية لملء المقعد السني الخامس في المدينة من فراغ، بل هو جاء نتيجة تحالفات سابقة أو تفاهمات مستجدة مع رئيس الحكومة على إطلاق قطار الانماء باتجاه طرابلس التي تحتاج الى كل المبادرات الانمائية وتتطلع الى أن تنصفها الحكومة وترفع عنها صفة الحرمان.
تدرك هذه القيادات أن أي إشتباك سياسي إنتخابي من شأنه أن يعيد عقارب الساعة الى الوراء، وأن يجعل طرابلس أمام إنقسام عامودي جديد، من شأنه أن يضع إنماء المدينة وتفعيل مرافقها الحيوية في مهب الريح، وذلك بفعل الخلافات والصراعات والتجاذبات التي أكدت التجارب السابقة أنها لا تأتي بمشاريع ولا بفرص عمل للشباب ولا تساهم في رفع المستوى الاجتماعي الذي يتطلع كثيرون في المدينة الى تحقيقه.
وإذا كان من الطبيعي أن يقف حلفاء الرئيس الحريري الى جانبه في معركة إعادة ديما جمالي الى الندوة البرلمانية خصوصا أن هؤلاء كانوا داعمين لها في إنتخابات عام 2018، فإن موقف الرئيس نجيب ميقاتي بدعم الحريري في الانتخابات الفرعية، ساهم في حماية طرابلس من صراع سياسي لن يكون في مصلحة أحد، وهو نابع من قناعته بأن هذا الاستحقاق لن يبدل شيئا في موازين القوى، خصوصا أن المشهد السياسي قد إكتمل بعد الانتخابات الأخيرة، وترجم في تشكيل الحكومة التي إنطلقت في عملها، وبالتالي فإن أي صراع سياسي على فرعية طرابلس لن يقدم ولن يؤخر وسيكون سببا في منع الانماء عن عاصمة الشمال، وهو أمر لا يريده ميقاتي الذي ما أن أسدلت الستارة على إنتخابات 2018، حتى تجاوز كل الخلافات، وفتح صفحة جديدة مع الحريري بعنوانين: الأول سياسي يتعلق بحماية الطائف وصلاحيات رئاسة الحكومة، والثاني إنمائي يحمل شعار ″طرابلس أولا″.
كما جاءت مقاطعة فريق 8 آذار للانتخابات تحت شعار الاحتجاج على قرار المجلس الدستوري لتصب بشكل أو بآخر في مصلحة الحريري من خلال تحييد آلاف الأصوات المعارضة له عن المعركة الانتخابية وعدم ذهابها الى المرشحين المنافسين الذين ينشطون على كل صعيد، ما يجعل كتلة أصوات تيار المستقبل والمدد الآتي من قيادات طرابلس كافيا لتأمين فوز المرشحة جمالي، وكذلك جاءت مصالحة اللواء أشرف ريفي مع الحريري لتصب في هذا الاتجاه.
كل ذلك يضع الرئيس الحريري أمام مسؤولية كبرى تجاه طرابلس التي تنتظر إنقضاء الاستحقاق الانتخابي لتقطف ثمار التفاهمات السياسية، من تعيينات ومشاريع وتأمين فرص عمل، وتفعيل مرافق المدينة من معرض رشيد كرامي الدولي الى مطار رينيه معوض في القليعات، وحماية دور المنطقة الاقتصادية الخاصة، وإستكمال تطوير المرفأ، والاهتمام بالكنز الأثري الطرابلسي تمهيدا لاطلاق السياحة الثقافية في عاصمة المماليك الثانية بعد القاهرة.
يمكن القول إن الرئيس الحريري قد حرر شيكات مؤجلة من المفترض أن تصرف جميعها في الانماء بعد الانتخابات الفرعية وفوز مرشحته بدعم أكثرية قيادات المدينة، ما يجعله أمام فرصة ذهبية لتعويض طرابلس ما فاتها من مشاريع وعد بها في إستحقاقات سابقة ولم تأخذ طريقها نحو التنفيذ، أما في حال إنقضت الانتخابات ولم يف الحريري بوعوده هذه المرة، فإنه قد يخسر طرابلس بشكل نهائي وسيكون الحساب في إنتخابات عام 2022.
المصدر سفير الشمال – غسان ريفي