سابين الحاج –
«بعد زواجنا لم أسمع كلمة جميلة، ولم أتلقَ قبلة رقيقة ولا «غمرة»، لم أعرف أصلاً ما هو الحبّ أو ماذا تعني مشاركة الفتاة حياتها وعذريّتها مع زوجها. هو يريد أن ينام معي يومياً وأنا لا أريد أن أنام معه لأنني أخاف منه ومن عصبيّته». هذه الكلمات كتبتها سيلفيا (اسم مستعار) بخط يدها، وهي «قابعة» اليوم في مركز الحماية الذي تؤمّنه جمعية أبعاد للنساء ضحايا العنف الأسري.تروي سيلفيا ليالي اغتصاب زوجها لها بوحشية وشهوانية حيوانية. هي تزوّجت بعمر الـ 17 لتهرب من مشكلات عائلية بين أبيها وأمها، فوقعت في مشكلات أكبر بكثير. وتقول: «كان زوجي يغضب عليّ ويشتمني إن لم ألبِّ رغباته بسرعة.
وتطورت عصبيته مع الوقت فبات يضربني، ويعضّني ويرميني بأيّ شيء أمامه وبعدها يهجم لممارسة العلاقة الجنسية معي غصباً عني». كنت أبكي يومياً. ولا أتجرّأ أن أبكي أمامه. شعور مميت أن يكون جسدي مسخّراً فقط لرغبته وشهوته الجنسية، وأن يهملني بعد نيل مبتغاه مني».
«كنت أشعر أنّه يغتصبني لأنني أمارس الجنس معه تحت تأثير الضرب، فلا حبّ بيننا والحبّ أساس العلاقة، كما أنه لا يحترمني، بل يضربني كلما أراد ممارسة العلاقة الجنسية وأنا أبكي وأرتجف وأصرخ إلى أن يُغمى عليّ أحياناً».
«بعاد عني»، «بكرهك»، «ما بدي شوف وحشيتك يلّي بتذكرني بوحوش الغابة». هذا ما كتبته سيلفيا التي أكدت أنّ «الاعتداء أو الاغتصاب الجنسي هو ليس فقط اغتصاب فتاة من قبل شاب غريب، بل قد يصدر عن شخص يعني لنا كلّ الحياة ويملك عذريّتنا».
«قد يُقدِم الزوج على اغتصاب مَن عقد قرانه عليها شرعاً»، تشدّد سيلفيا لأنّ الاغتصاب هو إجبار الفتاة على ممارسة العلاقة الجنسيّة بغير إرادتها، وهي إن لم تُكِنّ لزوجها أيّ مشاعر بسبب معاملته السيئة، تتحوّل العلاقة الجنسية تحت تأثير التهديد والعنف إلى اغتصاب موجع يدمّر الزوجة ويحرق قلبها، أكثر بكثير من أن يغتصبها شخص غريب».
دمار نفسي
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، تعلّق المعالجة النفسية والاختصاصية في التربية جيزيل نادر في حديث لـ «الجمهورية»، على آثار الاغتصاب الزوجي على نفسية المرأة، فتؤكد أنه «يفقدها ثقتها بنفسها، ويدفعها إلى كره جسدها ورفض العلاقة الجنسية.
ونتيجة كبت المرأة لحقيقة ما يحدث معها، وعدم الحديث عن ما يزعجها لأنّ بعض الديانات يشرّع الاغتصاب الزوجي، ولأنّ المرأة قد تخشى من أن «تخرب بيتها»، قد تصل إلى الاكتئاب، وفي بعض الحالات إلى الانتحار».
وتكتب سيلفيا على الورق، عن الدمار النفسي الذي طالها جراء اغتصاب زوجها لها: «هذا الاغتصاب جعلني أفكر أنّ الحياة لا معنى لها، لأنها تُكرّس استغلال القوي للضعيف واستغلال الرجل للمرأة وخصوصاً المرأة الضعيفة. وكنت أتمنّى أن أموت عندما أتذكر صوت أنفاسه وجسمه المتحرك نحوي وهو يريد تفريغ طاقته وشهوته وغريزته ووحشيّته، التي لا حدود لها مثل العضّ والقرص وشدّ الشعر والضرب…».
قانون منحاز لمصلحة الرجال
فشلت الجمعيات النسائية في انتزاع الاعتراف بالاغتصاب الزوجي كجرم، في قانون حماية النساء من العنف الأسري الذي صدر عن مجلس النواب عام 2014. فالجمعيات اصطدمت بعقبات وضعها رجال الدين أدّت إلى صدور القانون منقوصاً.
تؤكد رئيسة لجنة المرأة في نقابة المحامين المحامية أسماء داغر حمادة في حديث لـ«الجمهورية» أنّ «قانون العنف الأسري لم يعترف بوجود الاغتصاب الزوجي أصلاً، فمن باب الذكورية لا زال ذكور المجتمع مقتنعون أنّ العلاقة الجنسية مع الزوجة حقّ طبيعي لهم ولا يقرّون بأنّها قد لا تريد ممارسة الجنس نتيجة أسباب نفسية كثيرة تتعلّق بعدم ارتياحها لطبيعة العلاقة مع زوجها».
وتلفت داغر إلى أنّ «الأديان كلها والمحاكم الشرعية والروحية تلوم الزوجة إن اشتكت بأنها لا تريد ممارسة الجنس مع زوجها، إذ يعتبرون أنّ ذلك من حق الزوج».
وتضيف المحامية: «في الواقع للزوجة مشاعر وقد تعاني أوضاعاً معيّنة مثل التعامل مع زوج سكير، أو عنيف… فيقوم بجماعها بالقوة وهذا نوع من أنواع العنف». وتشدّد: «يجب اعتبار الاغتصاب الزوجي جرم يعاقب عليه القانون جزائياً».
كسر الصمت
يسيطر الحياء على الكلام عن الموضوعات الجنسية، وقليلات هنّ النساء اللواتي يلجأن إلى اختصاصيين نفسيين أو جمعيات طلباً لمساعدتهن على التخلص من الجحيم الذي يعانين منه. فهنّ يتدمّرن بصمت لأنهنّ يخجلن، ويغرقن في وضعٍ يعتبرنه سرّياً للغاية. أما سيلفيا فقد كسرت جدار الصمت بعد أن أرغمها زوجها مرات عدّة على ممارسة الجنس أمام ابنتهما.
وتقول: «أرغمني زوجي على ممارسة العلاقة الجنسية معه أمام طفلتي البالغة من العمر 4 سنوات، ولم يكن بيدي حيلة. ولكن عندما عرفت أنّ ابنتي حاولت يوماً أن تقلّد ما نفعله أنا ووالدها مع ابن عمها البالغ من العمر 5 سنوات، فخلعت بنطلونها أمامه وقالت له لنفعل مثل بابا وماما، طار عقلي». وتكتب سيلفيا أنّ سلفتها اكتشفت حدوث هذا الوضع الشاذ بين الولدين، وقد كان ذلك أكثر ما آلمها في حياتها، ما دفعها إلى كسر الصمت والإلتجاء إلى الجمعية.
وتقول: «عندما تطالب الزوجة بحق عدم اغتصابها من قبل زوجها يقولون لها لا شيء اسمه اغتصاب زوج لزوجته، أما أنا فأؤكد وجود هذا الاغتصاب وهو لا يوصف بالكلام لأنه يُحفر بالألم والسكوت».