رصد ومتابعة- شبكة تحقيقات الإعلامية
أحمد عسّاف
عام 1960 تظاهر مزارعو بلعبك رفضاً لقرار جر مياه رأس العين إلى خارج المنطقة، هذه المظاهرة التي أثمرت نجاحاً هادفاً آنذاك، من شارك فيها دافع بحق عن مياه رأس العين وموارد المدينة التي لا يجوز المساس بها
بالإضافة إلى الحراك الفعال على الأرض في ذلك الوقت، كان هناك حراكاً من نوع آخر تمثّل في مجازاة كل من تُسوِّل له نفسه التعرض لكرامات أحد ولو كان يحتمي بعشيرة، ديانة، حزب أو تنظيم. واليوم بات التسلح بالعشيرة والحزب فرصة لمهاجمة الآخرين مع التنكيل بهم وبأعراضهم، فيما العقلاء منهم الذين قرروا التنحي جانباً خوفاً من نبذهم وتنحيتهم عن العشيرة حيناً وخشية تعرضهم ومناصريهم لحملات تشبيحٍ وتشويه حيناً آخر
أما الآن، وبالرغم من كل ما يعتري بعلبك من واقعٍ أليم، لم نشهد إندفاعاً روحيّاً للإعتصام كالتي حدثت في السابق ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على تغلب السياسة على حساب الإنماء والأمن والعيشٍ الكريم
علاوة على ذلك فقد باتت العقلية العشائرية فرصة للتهجم على كرامات الناس في أيامنا هذه ، بينما نجد في المقابل روح العشائر الحقيقية الأصيلة بعيدة كل البعد عن تلك الممارسات، فالعشيرة شرف وإنتماء لا سلب وقتل وإفتراء
حسناً، لقد شكّل الضغط الأخير أو ربما الحاجة التي ما عادت تفترض تأجيلاً أو مماطلة فرصة لإعلان خطة أمنية في بعلبك، لكن ليس بالأمن وحده تحيا المنطقة، رغم أهميته ومدى الحاجة إليه. هذا الأمن الذي وُجب تأمينه من قبل الدولة بلا مِنَّة أو عراضات أو واسطات، لكننا نراها متقاعسة عند تأدية عملها وواجبها ، حتى أصبح حلم المواطن البعلبكي أن يرى الدولة تتحرك دفاعاً عن حقه في التنقُّل الآمن، فبعلبك اليوم تحتاج إنماءاً حقيقياً، للحجر والبشر، تحتاج لمن يرفع يده عن حقها في الإستثمار وجذب سياحها بالطريقة التي تراها هي الأنسب، لا التي قد ترتقي لأفكار هذا أو ذاك
بعلبك تطلب إستثمار مواردها الطبيعية وطاقات شبابها الذين باتوا يعيشون هاجس الخوف من عدم سماح ظروف منطقتهم من التعبير عما يختزن كيانهم الداخلي من إبداع
هذه المدينة المنسية تفتقر وأهلها ، لمن يُؤمن بها، تبحث عن ثورةٍ فكرية حقيقيةٍ، لتعود بعلبك بأعمدتها وهياكلها وأسواقها وحاراتها، مدينة الشمس التي تُشرق حباً وفرحاً وعطاءاً
بعلبك، تنادي العودة إلى الوراء، نعم إلى الوراء، إلى 1960 وما قبل ، الماضي الذي كان فيه الخير قائماً والناس لبعضهم، أما حاضرنا ما هو سوى يأس ورصاصة وإهمال