facebook-domain-verification=oo7zrnnwacae867vgxig9hydbmmaaj

شخصيات كُرديَّة| أحد أركان العلم والأدب “الشيخ عبد الله الكوردي البيتوشي” .. من يكون وكيف أثّر بأعماله على حضارة استمرت من بعده!

نقلاً عن موقع : gilgamish للكاتب زهير المعروف

يُعد الشيخ عبد الله بن الشيخ احمد بن اسماعيل بن ابراهيم الشافعي الكوردي احد اركان العلم والادب ولد في قرية بيتوش التابعة لناحيته الان التي تبعد خمسين ميلا عن مدينة السليمانية الجميلة وتمتاز هذه القرية الكوردية بجمالها الفتان وانهارها الجارية والعيون العذبة والبساتين الغناء العامرة باشجار اللوز والجوز والاجاص والسفرجل والرمان وغيرها واشجار الغابات وطبيعتها الخلابة ونسائمها العليلة ينحدر البيتوشي من بيت علم ودين اذ كان والده الشيخ محمد يدير مدرسة رصينة وشهيرة تخرج على يديه علماء كثيرون تميزوا بالنباهة والذكاء الحاد ويذكر ان شقيقه الاكبر الشيخ محمود البيتوشي قد حفظ عن ظهر قلب كتاب (تحفة المحتاج في شرح المنهاج) لابن حجر الهيثمي كما حفظ صاحب الترجمة الشيخ عبد الله البيتوشي (قاموس المحيط) للفيروز ابادي وعندما عزما السفر الى بغداد مدينة العلم والعلماء لم يكن لديهما مال يوصلهما لمبتغاهما فقام كل منهما بحفظ الكتاب الذي يعشقه ليبيعه ويسافر بثمنه الى بغداد ثم اتصلا هناك باستاذهما الفاضل صبغة الله الحيدري وبعدها يمما صوب الاحساء عام 1171 للهجرة.

ولايعرف الباحثون والمؤرخون تاريخ ولادة البيتوشي الا ان الارجح كما يقول الشيخ محمد الخال استنادا الى بعض الوقائع التاريخية بان ولادته كانت بين سنتي 1130 و1140هـ وفي السنة الخامسة عشرة من عمره فقد البيتوشي اباه فرحل بمعية اخيه الاكبر الشيخ محمود الى قرية (سيخوي) ليلتحقا بمدرسة الملا الشهير بـ(ابن الحاج) التابعة لقضاء (سردشت) فلازم مجلس الملا سنين عديدة تضلع خلالها في علوم العربية واصولها وفروعها ثم انتقل الى قرية (ماوران) في اربيل ودرس على يد العلامة الشيخ صبغة الله الحيدري فاخذ عنه العلوم العقلية والنقلية ويقول القاضي الشيخ محمد الخال ان البيتوشي نهل العلوم الاسلامية من اكابر علماء كوردستان فضلا عن نهله العلوم من علماء بغداد وفارس اذ كانت يومها تعج بالعلماء الفطاحل وبعد ان اكمل علومه الدينية والادبية وعلوم التاريخ والانساب وعلم المنطق والكلام سافر مع شقيقه الى الاحساء فعين حاكمها الشيخ عرعر الشيخ محمود شقيق الشيخ عبد الله البيتوشي مدرسا في احدى مدارس المنطقة وامر بتعين الشيخ عبد الله مدرسا بمدرسة مغايرة وبقي الاثنان في سلك التدريس لحين اتصال الشيخ عبد الله بالشيخ احمد الخزرجي الاحسائي الذي صار فيما بعد حاكما على الاحساء فالف له البيتوشي منظومته الشهيرة (الكفاية) فتوطدت بينهما بعد ذلك علاقة وصداقة واخوة متية. كان البيتوشي يلقب نفسه بالدرويش لكثرة زهده وتقشفه ففي احد اشعاره يقول:
اتظن يادرويش سيد قومه
الماء يطفئ كل نار توقد
ان الهوى شربت حرف مدامه
يبدي الخوارق والخلائق تشهد

سطع عاليا نجم البيتوشي بعد ان نظم الكفاية فاقبل عليه حاكم الاحساء وابتسمت له الدنيا وتغير حاله بفضل رعايته الى احسن حال فاصبح محط انظار الوجهاء والادباء فلقي منهم الحظوة والرعاية وقد ذكر ذلك في رسالته الى الشيخ عبيد الله الحيدري التي اشتهرت باسم الرسالة العرافية جاء فيه (وحال التاريخ في الاحساء ان اتقلب في روض من العيش اربض واتبختر في برد من العافية طويل عريض بين سادة سمحاء يكرمون و لايمكرون ويطمعون ولاطعمون ويبهرون ولا يرهبون الى اخر الرسالة) وبالرغم من ان حاكم الاحساء كان سيدا مطاعا وحاكما معطاء كان شاعرا ماهرا وادبيا بارعا يكرم اهل الشعر والعلم والادب فكان البيتوشي يتفيأ بظلال عزه وكرمه لمكانته العلمية والادبية فكان الحاكم يقدره ويمده بالعطاء الجزيل. وكان بين الحاكم و البيتوشي مساجلات ادبية وتبادل الاشعار الرقيقة التي تعكس عمق الاتصال الروحي بينهما.

وفي موقف طريف يروي البيتوشي نفاد قهوته ويشكو حاله بسبب عدم توفرها عنده فيقول:
لي شهر ان لم يكن شهرين
منذ فارقت لذة الفنجان
ساء خلقي من بعد ولقد كنت
كما كنت ذا سجايا حسان
ولقد ضاق بي مكاني حتى
ضاق صدري عن احتمال جناني
فيرد عليه الحاكم الاديب بابيات تفيض رقة وعذوبة ويهنئه فيها بشرب القهوة بقوله:
اشرب الكأس دائما بالتهاني
امن المدم ما جرى اللوان
واصطبح قهوة كحمرة صبح
بعد هزم الكرى قبيل الاذان
بنت بن لا بنت كرم حرام
لم تذلل بعصرها في الدنان
اسهر العين وابتلاني بقيد

منع الرجل ان تسير لشاني ويمتدح شمس المعارف المشرقة في الافاق شيخ مشايخ العراق السيد المكرم عبيد الله بن صبغة الله الحيدري الماوراني الكوردي وقرية ماوران تتبع الى مصيف شقلاوة بكوردستان العراق والابيات الاتية مدح للعلامة الحيدري باسلوب الجناس:
كل حرفي فضله عبد رق
لموال تديروا ماورانا
واقروا لهم سوى من هواه
ترك القلب منه اعمى ماورانا
كم شفوا بالعلوم منا صدورا

كان فيها من جهلنا ماورانا سئلوا هل وراءكم من مرام لمريد؟ فقيل لا ماورانا فكلمة (ماورانا) جناس له معان مختلفة في الابيات الاربعة ففي البيت الاول تعني قرية العلامة الحيدري والثاني تعني الرؤية والثالث تعني اشعلنا والرابع تعني خلفنا.

وقد عشق البيتوشي بلده العراق وبغداد وكان كثير الحنين اليها وقد ذكر ذلك في قصيدته الاتية:
اني احن الى العراق ولم اكن
لا من رصافته ولامن كرخه
لكن في بغداد لي من قرية
اشهى الي من الشباب وشرخه
بأبي الذي شوق له شوق السقيم
الى الشفاء او الظليم لفرخه
اوشوق اعرابية حنت الى
اطلال نجد فارقته ومرخه قلبي
اسير عنده وقف فقل
ان لم يحل اساره فليرخه

ومن رسائله الادبية تلك التي كتبها في البصرة سنة 1190هـ الى سليمان بك بن عبد الله بك الشاوي الحميري في بغداد بعدما هاجم صادق خان الزندي مدينة البصرة اوائل عام 1189م وطوقها وفرض حصارا عليها قرابة ستة عشر شهرا كان خلالها العلامة مطوقا فكتب رسالته هذه وارفقها بقصيدة طويلة يحرض فيها حاكم البصرة سليمان بك لمهاجمة صادق خان الزندي وطرده والانتقام منه وتخليص البصرة من شره وقد عثر العلامة الشيخ محمد الخال رحمه الله على هذه الرسالة في مجموعة خطية موجودة بمكتبة المرحوم الملا محمد جلي زاده المشهور بـ(دمه لاي كه وره) ونص الرسالة ماياتي:
)وبعد ياسيدي بينما نحن نلجأ الى الله تعالى في ظلم الاسحار فنتضرع اناء الليل واطراف النهار نستدعي منه ان يردكم الى الوطن رد الروح الى البدن ويحيي بكم العراق الذي افناه فيكم الفراق وبلغت روحه بعدكم الى التراق لاسيما لكشف ما نحن فيه من المصيبة التي طم سيلها وعم ويلها وانسحب على الخاصة والعامة ذيلها اعني محاصرة البصرة التي استعرت نارها وانتشر شرارها وطارت اخبارها حتى تناقلتها الركبان الى اقاحي البلدان وصمت من سماعها الاذان…) والرسالة طويلة.

وذكر فضل ومكانة الشيخ البيتوشي الكثيرون من العلماء ففي كتاب (سبائك العسجد في اخبار احمد) للشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري يصف فيه عبد الله البيتوشي بقوله: ان الشيخ عبدالله الكوردي فاق بشعره الكندي احد الادباء الكرام والاقطاب الدائرة عليه رحى النظام والبحر الذي لاتنتهي عجائبه ولا تقاوم بالافكار غواربه كما نظم قصيدته الحقة بالرسالة وذكر فيه مكانة الشيخ عبد الله البيتوشي الكوردي بقوله:
اذا نشرت يوما مطاوي نظامه
بمجلس اداب قضي انه الكندي
يلفظ شاي نظم الجمان طلاوة
ولكنه في الفكر احلى من الشهد
هو الشعر عقدا نظمته يد الزكا
وشعر الفتى الكوردي واسطة العقد
اذ اخذ الكوردي في نعت رهيف
اراك الهوى العذر يصبو الى الكورد

ملاحظة: افادني بهذه المعلومات القيمة مشكورا عن العلامة البيتوشي الاستاذ الاديب الفاضل حسين الجاف مدير عام الدراسات الكوردية فجزاه الله عني خير الجزاء.

التآخي

عن investigation

شبكة مختصة بالرصد الإعلامي من لبنان إلى العالم. نعتمد أسلوب التقصِّي في نقل الأخبار ونشرها. شعارنا الثابت : "نحو إعلامٍ نظيف"

شاهد أيضاً

بمشاركة حشد من المُحبِّين الإعلامية ميساء عبد الخالق تحتفل بصدور كتابها الأول وتهديه لروح والدها

شهد جناح “دار الفارابي” في معرض لبنان الدولي للكتاب حفل توقيع كتاب “القاعدة وداعش وصراعهما …

error: Content is protected !!